وقيل : بالعكس (١).
والحقّ عندنا هو القول الثاني ، أيّ إنّه حقيقة مطلقا.
الدليل : أنّ منشأ توهّم القول بالمجاز أنّ أداة العموم لمّا كانت موضوعة للدلالة على سعة مدخولها وعمومه لجميع أفراده ، فلو أريد منه بعضه فقد استعملت في غير ما وضعت له ، فيكون الاستعمال مجازا. وهذا التوهّم يدفع بأدنى تأمّل ؛ لأنّه في التخصيص بالمتّصل كقولك مثلا : «أكرم كلّ عالم إلاّ الفاسقين» لم تستعمل أداة العموم إلاّ في معناها ، وهو الشمول لجميع أفراد مدخولها ، غاية الأمر أنّ مدخولها تارة يدلّ عليه لفظ واحد مثل : «أكرم كلّ عادل» ، وأخرى يدلّ عليه أكثر من لفظ واحد في صورة التخصيص ، فيكون التخصيص معناه أنّ مدخول «كلّ» ليس ما يصدق عليه لفظ عالم ـ مثلا ـ ، بل هو خصوص العالم العادل في المثال. وأمّا «كلّ» فهي باقية على ما لها من الدلالة على العموم والشمول ؛ لأنّها تدلّ حينئذ على الشمول لكلّ عادل من العلماء ، ولذا لا يصحّ أن يوضع مكانها كلمة «بعض» ، فلا يستقيم المعنى لو قلت : «أكرم بعض العلماء إلاّ الفاسقين» ، وإلاّ لما صحّ الاستثناء. كما لا يستقيم لو قلت : «أكرم بعض العلماء العدول» ؛ فإنّه لا يدلّ على تحديد الموضوع كما لو كانت «كلّ» والاستثناء موجودين.
والحاصل أنّ لفظة «كلّ» وسائر أدوات العموم في مورد التخصيص لم تستعمل إلاّ في معناها ، وهو الشمول.
ولا معنى للقول بأنّ المجاز في نفس مدخولها ؛ لأنّ مدخولها مثل كلمة «عالم» موضوع لنفس الطبيعة من حيث هي ، لا الطبيعة بجميع أفرادها أو بعضها. وإرادة الجميع أو البعض إنّما يكون من دلالة لفظة أخرى كـ «كلّ» ، أو «بعض» ، فإذا قيّد مدخولها وأريد منه المقيّد بالعدالة في المثال المتقدّم لم يكن مستعملا إلاّ في معناه ، وهو من له العلم ، وتكون إرادة ما عدا الفاسق من العلماء من دلالة مجموع القيد والمقيّد من باب تعدّد الدالّ والمدلول. وسيجىء ـ إن شاء الله تعالى ـ أنّ تقييد المطلق لا يوجب مجازا.
__________________
(١) لم يذكر له قائل.
وحكى الآمدي خمسة مذاهب أخر. فراجع الإحكام ٢ : ٣٣١.