٣. دلالة الإشارة
ويشترط فيها ـ على عكس الدلالتين السابقتين ـ ألاّ تكون الدلالة مقصودة بالقصد الاستعمالي بحسب العرف ، ولكن مدلولها لازم لمدلول الكلام لزوما غير بيّن ، أو لزوما بيّنا بالمعنى الأعمّ ، سواء استنبط المدلول من كلام واحد أم من كلامين.
مثال ذلك دلالة الآيتين على أقلّ الحمل ، وهما آية ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً﴾ (١) وآية ﴿وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ﴾ (٢) ؛ فإنّه بطرح الحولين من ثلاثين شهرا يكون الباقي ستّة أشهر ، فيعرف أنّه أقلّ الحمل.
ومن هذا الباب دلالة وجوب الشيء على وجوب مقدّمته ؛ لأنّه لازم لوجوب ذي المقدّمة باللزوم البيّن بالمعنى الأعمّ. ولذلك جعلوا وجوب المقدّمة وجوبا تبعيّا لا أصليّا ؛ لأنّه ليس مدلولا للكلام بالقصد ، وإنّما يفهم بالتبع ، أي بدلالة الإشارة.
الجهة الثانية : حجّيّة هذه الدلالات
أمّا دلالة الاقتضاء والتنبيه : فلا شكّ في حجيّتهما إذا كانت هناك دلالة وظهور ؛ لأنّه من باب حجيّة الظواهر ، ولا كلام في ذلك.
وأمّا دلالة «الإشارة» : فحجيّتها من باب حجّية الظواهر محلّ نظر وشكّ ؛ لأنّ تسميتها بالدلالة من باب المسامحة ؛ إذا المفروض أنّها غير مقصودة والدلالة تابعة للإرادة ، وحقّها أن تسمّى «إشارة» و «إشعارا» فقط بغير لفظ الدلالة ، فليست هي من الظواهر في شيء حتى تكون حجّة من هذه الجهة.
نعم ، هي حجّة من باب الملازمة العقليّة حيث تكون ملازمة ، فيستكشف منها لازمها ، سواء كان حكما أم غير حكم ، كالأخذ بلوازم إقرار المقرّ وإن لم يكن
__________________
(١) الأحقاف (٤٦) الآية : ١٥.
(٢) البقرة (٢) الآية ٢٣٣.