ثمّ إنّ المقصود من كلمة «حتّى» التي يقع الكلام عنها هي «حتّى» الجارّة ، دون العاطفة ، وإن كانت تدخل على الغاية أيضا ؛ لأنّ العاطفة يجب دخول ما بعدها في حكم ما قبلها ؛ لأنّ هذا هو معنى العطف ، فإذا قلت : «مات الناس حتّى الأنبياء» فإنّ معناه أنّ الأنبياء ماتوا أيضا. بل «حتّى» العاطفة تفيد أنّ الغاية هو الفرد الفائق على سائر أفراد المغيّى في القوّة أو الضعف ، فكيف يتصوّر أن لا يكون المعطوف بها داخلا في الحكم ، بل قد يكون هو الأسبق في الحكم ، نحو : «مات كلّ أب حتّى آدم».
الجهة الثانية : في مفهوم الغاية. وهي موضوع البحث هنا ، فإنّه قد اختلفوا في أنّ التقييد بالغاية ـ مع قطع النظر عن القرائن الخاصّة ـ هل يدلّ على انتفاء سنخ الحكم عمّا وراء الغاية ومن الغاية نفسها أيضا إذا لم تكن داخلة في المغيّى ، أو لا؟
فنقول : إنّ المدرك في دلالة الغاية على المفهوم كالمدرك في الشرط والوصف ، فإذا كانت قيدا للحكم كانت ظاهرة في انتفاء الحكم فيما وراءها ، وأمّا إذا كانت قيدا للموضوع أو المحمول فقط ، فلا دلالة لها على المفهوم (١).
وعليه ، فما علم في التقييد بالغاية أنّه راجع إلى الحكم فلا إشكال في ظهوره في المفهوم ؛ مثل قوله عليهالسلام : «كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه نجس» (٢) وكذلك مثال
__________________
ـ درر الفوائد ١ : ١٧٤.
وذهب الشيخ الأنصاريّ إلى الدخول مطلقا ، فراجع مطارح الأنظار : ١٨٥. وذهب السيّد الإمام الخمينيّ إلى عدم الدخول مطلقا ، فراجع مناهج الوصول ٢ : ٢٢٤.
(١) وهذا ما ذهب إليه المحقّق الخراسانيّ في كفاية الأصول : ٢٤٦. واختاره المحقّق النائينيّ وتلميذه المحقّق الخوئيّ ، فراجع فوائد الأصول ٢ : ٥٠٤ ، والمحاضرات ٥ : ١٣٧ ـ ١٤٠.
وذهب المشهور ـ على ما في مطارح الأنظار ـ وأكثر المحقّقين ـ على ما في القوانين والفصول ـ إلى دلالة الغاية على المفهوم مطلقا. فراجع مطارح الأنظار : ١٨٦ ؛ قوانين الأصول ١ : ١٨٦ ؛ الفصول الغرويّة : ١٥٣. ومذهب الشيخ الطوسيّ والسيّد المرتضى عدم دلالتها على المفهوم مطلقا ، فراجع العدّة ٢ : ٤٧٨ ، والذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٤٠٧.
(٢) هذا مفاد الرواية. وإليك نصّها «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر» أو «كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر». راجع الوسائل ٢ : ١٠٥٤ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، الحديث ٤ ؛ مستدرك الوسائل ٢ : ٥٨٣ ، الباب ٤ من أبواب النجاسات والأواني ، الحديث ٤.