ومطلوب منه ومطلوب.
فقولنا : «اضرب» ، يدلّ على النسبة الطلبيّة بين الضرب والمتكلّم والمخاطب ، ومعنى ذلك جعل الضرب على عهدة المخاطب ، وبعثه نحوه وتحريكه إليه ، وجعل الداعي في نفسه للفعل.
وعلى هذا ، فمدلول هيئة الأمر ومفادها هو النسبة الطلبيّة ، وإن شئت فسمّها : «النسبة البعثيّة (١)» ؛ لغرض إبراز جعل المأمور به ـ أي المطلوب ـ في عهدة المخاطب ، وجعل الداعي في نفسه ، وتحريكه وبعثه نحوه ، ما شئت فعبّر ، غير أنّ هذا الجعل أو الإنشاء يختلف فيه الداعي له من قبل المتكلّم ، فتارة ، يكون الداعي له هو البعث الحقيقيّ وجعل الداعي في نفس المخاطب لفعل المأمور به ، فيكون هذا الإنشاء حينئذ مصداقا للبعث والتحريك وجعل الداعي ، أو إن شئت فقل : يكون مصداقا للطلب ، فإنّ المقصود واحد. وأخرى يكون الداعي له هو التهديد ، فيكون مصداقا للتهديد ، ويكون تهديدا بالحمل الشائع. وثالثة يكون الداعي له هو التعجيز ، فيكون مصداقا للتعجيز وتعجيزا بالحمل الشائع ... وهكذا في باقي المعاني المذكورة وغيرها.
وإلى هنا يتجلّى ما نريد أن نوضحه ؛ فإنّا نريد أن نقول بنصّ العبارة إنّ البعث أو التهديد أو التعجيز أو نحوها ليست هي معاني لهيئة الأمر قد استعملت في مفاهيمها ـ كما ظنّه القوم ـ لا معاني حقيقيّة ولا مجازية ؛ بل الحقّ أنّ المنشأ بها ليس إلاّ النسبة الطلبيّة الخاصّة ، وهذا الإنشاء يكون مصداقا لأحد هذه الأمور باختلاف الدواعي ، فيكون تارة بعثا بالحمل الشائع ، وأخرى تهديدا بالحمل الشائع وهكذا. لا أنّ هذه المفاهيم مدلولة للهيئة ومنشأة بها حتّى مفهوم البعث والطلب.
والاختلاط في الوهم بين المفهوم والمصداق هو الذي جعل أولئك يظنّون أنّ هذه الأمور مفاهيم لهيئة الأمر وقد استعملت فيها استعمال اللفظ في معناه ، حتّى اختلفوا في أنّه أيّها المعنى الحقيقيّ الموضوع له الهيئة ، وأيّها المعنى المجازيّ؟
__________________
(١) وقد يقال لها : «النسبة الإرساليّة» كما في نهاية الأفكار ١ : ١٧٨ ، أو يقال لها : «النسبة الإيقاعيّة» كما في فوائد الأصول ١ : ١٢٩.