وضع المفردات بالوضع الشخصيّ والهيئات بالوضع النوعيّ ـ كما قيل (١) ـ بل هو لغو محض. ولعلّ من ذهب إلى وضعها أراد به وضع الهيئات التركيبيّة ، لا الجملة بأسرها بموادّها وهيئاتها زيادة على وضع أجزائها ، فيعود النزاع حينئذ لفظيّا (٢).
١١. علامات الحقيقة والمجاز
قد يعلم الإنسان ـ إمّا من طريق نصّ أهل اللغة أو لكونه نفسه من أهل اللغة ـ أنّ لفظ كذا موضوع لمعنى كذا ، ولا كلام لأحد في ذلك ؛ فإنّه من الواضح أنّ استعمال اللفظ في ذلك المعنى حقيقة وفي غيره مجاز.
وقد يشكّ في وضع لفظ مخصوص لمعنى مخصوص ، فلا يعلم أنّ استعماله فيه هل كان على سبيل الحقيقة فلا يحتاج إلى نصب قرينة عليه أو على سبيل المجاز ، فيحتاج إلى نصب القرينة؟ وقد ذكر الأصوليّون لتعيين الحقيقة من المجاز ـ أي لتعيين أنّه موضوع لذلك المعنى أو غير موضوع ـ طرقا وعلامات كثيرة نذكر هنا أهمّها.
العلامة الأولى : التبادر
دلالة كلّ لفظ على أيّ معنى لا بدّ لها من سبب. والسبب لا يخلو فرضه عن أحد أمور ثلاثة : المناسبة الذاتيّة ، وقد عرفت بطلانها ، أو العلقة الوضعيّة ، أو القرينة الحاليّة أو المقاليّة. فإذا علم أنّ الدلالة مستندة إلى نفس اللفظ من غير اعتماد على قرينة فإنّه يثبت أنّها من جهة العلقة الوضعيّة. وهذا هو المراد بقولهم : «التبادر علامة الحقيقة». والمقصود من كلمة «التبادر» هو انسباق المعنى من نفس اللفظ مجرّدا عن كلّ قرينة.
وقد يعترض على ذلك بأنّ التبادر لا بدّ له من سبب ، وليس هو إلاّ العلم بالوضع ؛ لأنّ
__________________
(١) والقائل كثير من الأصوليّين. منهم : صاحب الفصول ، والمحقّق الخراسانيّ ، والمحقّق العراقيّ. فراجع الفصول الغرويّة : ٢٨ ؛ كفاية الأصول : ٣٢ ؛ نهاية الأفكار ١ : ٦٥.
(٢) هكذا وجّه المحقّق الخراسانيّ العبارات الموهمة للحاجة إلى وضع الجمل والمركّبات زائدا على وضع المفردات والهيئات. راجع كفاية الأصول : ٣٣.