* زيادة إيضاح
إذ قد عرفت أنّ الموجودات (١) منها ما يكون مستقلاّ في الوجود ، ومنها ما يكون رابطا بين موجودين ، فاعلم أنّ كلّ كلام مركّب من كلمتين أو أكثر إذا ألقيت كلماته بغير ارتباط بينها فإنّ كلّ واحدة منها كلمة مستقلّة في نفسها لا ارتباط لها بالأخرى ، وإنّما الذي يربط بين المفردات ويؤلّفها كلاما واحدا هو الحرف أو إحدى الهيئات الخاصّة ، فأنت إذا قلت ـ مثلا ـ : «أنا» ، «كتبت» ، «قلم» ، لا يكون بين هذه الكلمات ربط ، وإنّما هي مفردات صرفة منثورة. أمّا إذا قلت : «كتبت بالقلم» ، كان كلاما واحدا ، مرتبطا بعضه مع بعض ، مفهما للمعنى المقصود منه. وما حصل هذا الارتباط والوحدة الكلاميّة إلاّ بفضل الهيئة المخصوصة لـ «كتبت» وحرف الباء وأل.
وعليه ، فيصحّ أن يقال : إنّ الحروف هي روابط المفردات المستقلّة والمؤلّفة للكلام الواحد والموحّدة للمفردات المختلفة ، شأنها شأن النسبة بين المعاني المختلفة والرابطة بين المفاهيم غير المربوطة. فكما أنّ النسبة رابطة بين المعاني ومؤلّفة بينها فكذلك الحرف الدالّ عليها رابط بين الألفاظ ومؤلّف بينها.
وإلى هذا أشار سيّد الأولياء أمير المؤمنين عليهالسلام بقوله المعروف في تقسيم الكلمات : «الاسم ما أنبأ عن المسمّى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى ، والحرف ما أوجد معنى في غيره (٢)». فأشار إلى أنّ المعاني الاسميّة معان استقلاليّة ، ومعاني الحروف غير مستقلّة في نفسها ، وإنّما هي تحدث الربط بين المفردات. ولم نجد في تعاريف القوم للحرف تعريفا جامعا صحيحا مثل هذا التعريف.
__________________
(١) ينبغي أن يقال للتوضيح : إنّ الموجودات على أربعة أنحاء : موجود في نفسه لنفسه بنفسه وهو واجب الوجود ، وموجود في نفسه لنفسه بغيره وهو الجوهر كالجسم والنفس ، وموجود في نفسه لغيره بغيره وهو العرض ، وموجود في غيره وهو أضعفها وهو المعنى الحرفيّ المعبّر عنه بالربط ، فالأقسام الثلاثة الأولى الموجودات المستقلّة ، والرابع عداها الذي هو المعنى الحرفيّ الذي لا وجود له إلاّ وجود طرفيه ـ منه رحمهالله ـ.
(٢) بحار الأنوار ٤٠ : ١٦٢ ؛ كنز العمال ١٠ : ٢٨٣ مع اختلاف بينهما ، وما في المتن يوافق ما في البحار.