٤. أقسام الوضع
لا بدّ في الوضع من تصوّر اللفظ والمعنى ؛ لأنّ الوضع حكم على المعنى وعلى اللفظ ، ولا يصحّ الحكم على الشيء إلاّ بعد تصوّره ومعرفته بوجه من الوجوه ولو على نحو الإجمال ؛ لأنّ تصوّر الشيء قد يكون بنفسه ، وقد يكون بوجهه ـ أي بتصوّر عنوان عامّ ينطبق عليه ويشار به إليه ؛ إذ يكون ذلك العنوان العامّ مرآة وكاشفا عنه ، كما إذا حكمت على شبح من بعيد «أنّه أبيض» ـ مثلا ـ وأنت لا تعرفه بنفسه أنّه أيّ شيء هو ، وأكثر ما تعرف عنه ـ مثلا ـ أنّه شيء من الأشياء أو حيوان من الحيوانات ، فقد صحّ حكمك عليه بأنّه أبيض مع أنّك لم تعرفه ولم تتصوّره بنفسه وإنّما تصوّرته بعنوان أنّه شيء أو حيوان ، لا أكثر ، وأشرت به إليه ، وهذا ما يسمّى في عرفهم : «تصوّر الشيء بوجهه» ـ ، وهو كاف لصحّة الحكم على الشيء. وهذا بخلاف المجهول محضا ؛ فإنّه لا يمكن الحكم عليه أبدا.
وعلى هذا ، فإنّه يكفينا في صحّة الوضع للمعنى أن نتصوّره بوجهه ، كما لو كنّا تصوّرناه بنفسه.
ولمّا عرفنا أنّ المعنى لا بدّ من تصوّره ، وأنّ تصوّره على نحوين ، فانّه بهذا الاعتبار وباعتبار ثان هو أنّ المعنى قد يكون خاصّا ـ أي جزئيّا ـ وقد يكون عامّا ـ أي كلّيّا ـ نقول : إنّ الوضع ينقسم إلى أربعة أقسام عقليّة :
١. أن يكون المعنى المتصوّر جزئيّا ، والموضوع له نفس ذلك الجزئيّ ـ أي إنّ الموضوع له معنى متصوّر بنفسه لا بوجهه ـ ؛ ويسمّى هذا القسم : «الوضع خاصّ والموضوع له خاصّ (١)».
٢. أن يكون المتصوّر كلّيّا ، والموضوع له نفس ذلك الكلّي ـ أي إنّ الموضوع له كلّيّ
__________________
ـ وتخصيصه به. وذلك لأنّه ليس في الوضع التعيّني جعل ولا تخصيص ، بل فيه اختصاص اللفظ بالمعنى الحاصل من كثرة الاستعمال.
وناقش في هذا التقسيم الإمام الخمينيّ في مناهج الوصول ١ : ٥٧ ، كما تعرّض للمناقشة فيه المحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ١ : ٢٩.
(١) الجملة الاسميّة في محلّ المنصوب الثاني ليسمّى.