ومن هنا قد انقدح أنّ القول بالمقدّمة الموصلة يستلزم إنكار وجوب المقدّمة في غالب الواجبات ، والقول بوجوب خصوص العلّة التامّة في خصوص الواجبات التوليديّة (١).
فإن قلت : ما من واجب إلّا وله علّة تامّة ، ضرورة استحالة وجود الممكن بدونها ، فالتخصيص بالواجبات التوليديّة بلا مخصّص.
قلت : نعم ، وإن استحال صدور الممكن بلا علّة ، إلّا أنّ مبادئ اختيار الفعل الاختياريّ من أجزاء علّته ، وهي لا تكاد تتّصف بالوجوب ، لعدم كونها بالاختيار ، وإلّا لتسلسل ، كما هو واضح لمن تأمّل.
ولأنّه لو كان معتبرا فيه الترتّب لما كان الطلب يسقط بمجرّد الإتيان بها من دون انتظار لترتّب الواجب عليها ، بحيث لا يبقى في البين إلّا طلبه وإيجابه كما إذا لم تكن هذه بمقدّمة أو كانت حاصلة من الأوّل قبل إيجابه ، مع أنّ الطلب لا يكاد يسقط إلّا بالموافقة ، أو بالعصيان والمخالفة ، أو بارتفاع موضوع التكليف ـ كما في سقوط الأمر بالكفن أو الدفن بسبب غرق الميّت أحيانا أو حرقه ـ ، ولا يكون الإتيان بها ـ بالضرورة ـ من هذه الامور غير الموافقة (٢).
__________________
(١) هذا هو الوجه الثاني من الإيرادات الثلاثة.
ولكن أجاب عنه السيّد الإمام الخمينيّ بأنّ المراد من الترتّب أعمّ من الترتّب مع الواسطة.
مناهج الوصول ١ : ٣٩٥.
وأجاب عنه السيّد المحقّق الخوئيّ أيضا بنفس ما أجاب به المحقّق الاصفهانيّ عن الوجه الأوّل. محاضرات في اصول الفقه ٢ : ٤١٦.
(٢) وهذا هو الوجه الثالث من الإيرادات الثلاثة. وحاصله : أنّ الإتيان بالمقدّمة بناء على وجوب الموصلة لا يوجب سقوط الطلب منها إلّا أن يترتّب الواجب عليها ، مع أنّه يسقط بمجرّد إتيانها من دون انتظار ترتّب الواجب عليها. ومن الواضح أنّ سقوطه ليس بمخالفة المقدّمة ولا بارتفاع موضوع التكليف ، فلا بدّ وأن يكون بالموافقة ، وهذا يكشف عن وجوب مطلق المقدّمة لا خصوص الموصلة.
وقد يتخيّل أنّ قوله : «مع أنّ الطلب لا يكاد ...» وجه مستقلّ. ولكنه لا يوافق سياق كلام المصنّف. ـ