في الهيئة ـ كما في الفصول (١) ـ ، فإنّه غفلة وذهول عن كون المصدر (٢) كذلك لا يوجب الاتّفاق على أنّ مادّة الصيغة لا تدلّ إلّا على الماهيّة ، ضرورة أنّ المصدر ليست مادّة لسائر المشتقّات ، بل هو صيغة مثلها. كيف! وقد عرفت في باب المشتقّ (٣) مباينة المصدر وسائر المشتقّات بحسب المعنى (٤) ، فكيف بمعناه يكون مادّة لها؟ فعليه يمكن دعوى اعتبار المرّة أو التكرار في مادّتها ، كما لا يخفى.
إن قلت : فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلا في الكلام؟
قلت : ـ مع أنّه محلّ الخلاف (٥) ـ معناه أنّ الّذي وضع أوّلا بالوضع الشخصيّ ثمّ بملاحظته وضع نوعيّا أو شخصيّا سائر الصيغ الّتي تناسبه (٦) ـ ممّا جمعه معه مادّة لفظ متصوّرة في كلّ منها ومنه بصورة ، ومعنى كذلك (٧) ـ هو المصدر أو الفعل ، فافهم.
ثمّ المراد بالمرّة والتكرار هل هو الدفعة والدفعات أو الفرد والأفراد (٨)؟
التحقيق : أن يقعا بكلا المعنيين محلّ النزاع ، وإن كان لفظهما ظاهرا في المعنى الأوّل.
__________________
(١) الفصول الغرويّة : ٧١.
(٢) هكذا في النسخ. ولكن الصحيح أن يقول : «عن أنّ كون المصدر».
(٣) في الأمر الثاني من مبحث المشتقّ ، فراجع الصفحة : ١٠٦.
(٤) فإنّ المصدر بمعناه يأبى عن الحمل ، والمشتقّ غير آب عن الحمل.
(٥) حيث ذهب الكوفيّون إلى أنّ الأصل في الكلام هو الفعل.
(٦) أي : تناسب ما وضع أوّلا بالوضع الشخصيّ.
(٧) المراد من «ما» الموصول في قوله : «ممّا» هو الصيغ ؛ والضمير في قوله : «جمعه» راجع إلى «ما» الموصول ، كما أنّ الضمير في قوله : «معه» راجع إلى ما وضع أوّلا. ومعنى العبارة : من الصيغ الّتي جمع تلك الصيغ مع ما وضع أوّلا مادّة لفظ ومادّة معنى متصوّرتان في كلّ من الصيغ وما وضع أوّلا بصورة مخصوصة ، كمادّة (ض ر ب) الّتي قد تتصوّر بصورة «ضرب» ، وقد تتصوّر بصورة «يضرب» ، وهكذا.
(٨) ذهب إلى الأوّل صاحب الفصول. وإلى الثاني صاحب القوانين. راجع الفصول الغرويّة الغرويّة : ٧١ ، وقوانين الاصول ١ : ٩٢.