لا بدّ في تحقيق ذلك من تمهيد مقدّمات :
إحداها : [في بيان الوجوب التوصّليّ والتعبّديّ]
الوجوب التوصّليّ هو ما كان الغرض منه يحصل بمجرّد حصول الواجب ، ويسقط بمجرّد وجوده ؛ بخلاف التعبّديّ ، فإنّ الغرض منه لا يكاد يحصل بذلك ، بل لا بدّ في سقوطه وحصول غرضه من الإتيان به متقرّبا به منه تعالى (١).
ثانيها (٢) : [في امتناع أخذ قصد القربة في متعلّق الأمر]
إنّ التقرّب المعتبر في التعبّديّ إن كان بمعنى قصد الامتثال والإتيان بالواجب بداعي أمره ، كان ممّا يعتبر في الطاعة عقلا ، لا ممّا اخذ في نفس العبادة شرعا. وذلك لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتّى إلّا من قبل الأمر بشيء في متعلّق
__________________
ـ حتّى بلحاظ الغرض الباعث للإيجاب. والإطلاق المدّعى في المقام هو إطلاق المادّة دون إطلاق الوجوب والصيغة. فلا وجه لجعل هذا البحث من مباحث الصيغة. نهاية الدراية ١ : ٢٢٤.
ويمكن أن يقال : أنّ الوجوب وإن كان داعيا للمكلّف إلى ما تعلّق به ، لكنّه ليس الغرض من الوجوب ، بل الغرض منه هو حصول المصلحة الموجودة في ما تعلّق به ، كما أنّ الغرض من التحريم هو عدم حصول المفسدة الموجودة في ما تعلّق به النهي ـ بناء على ما عليه مشهور العدليّة من قيام المصالح والمفاسد بمتعلّقات التكاليف ـ. فيبحث عن أنّ المصلحة هل تحصل بمجرّد وجود ما تعلّق به الوجوب أو لا يكاد يحصل إلّا بالإتيان به متقرّبا إلى الله؟ فيرجع البحث إلى أنّ الغرض من الوجوب هل يحصل بمجرّد فعل الواجب ولو بدون قصد القربة أو لا يحصل إلّا بإتيانه متقرّبا إلى الله؟ فالتعبّديّة والتوصليّة وإن كانتا وصفان للواجب حقيقة ـ لأنّ التوصّليّة عبارة عن كون ما تعلّق به الوجوب محصّلا للغرض من الوجوب بمجرّد وجوده ، والتعبّدية عبارة عن كون ما تعلّق به الوجوب محصّلا للغرض فيما إذا اتي به متقرّبا إلى الله ـ إلّا أنّه غير أجنبيّ عن الوجوب. ولعلّه ذكره المصنّف في المقام. وإن كان الأولى أن يقال : «إنّ إطلاق الواجب هل يقتضي كونه توصّليّا أو لا؟».
(١) ولا يخفى : أنّ لهم في تفسير التعبّديّ والتوصليّ عبارات مختلفة ، لا يهمّنا التعرّض لها في المقام. وإن شئت فراجع فوائد الاصول ١ : ١٣٧ ـ ١٣٨ ، نهاية الأفكار ١ : ١٣٨ ، المحاضرات ٢ : ١٣٩ ـ ١٤٠ ، مناهج الوصول ١ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩.
(٢) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «ثانيتها».