الخارجيّة ، لكونها ـ على هذا ـ كلّيّات عقليّة ، والكلّيّ العقليّ لا موطن له إلّا الذهن ؛ فالسير والبصرة والكوفة في : «سرت من البصرة إلى الكوفة» لا يكاد يصدق على السير والبصرة والكوفة ، لتقيّدها بما اعتبر فيه القصد (١) ، فتصير عقليّة ، فيستحيل انطباقها على الامور الخارجيّة.
وبما حقّقناه يوفّق بين جزئيّة المعنى الحرفيّ بل الاسميّ والصدق على الكثيرين ، وأنّ الجزئيّة باعتبار تقيّد المعنى باللحاظ في موارد الاستعمالات آليّا أو استقلاليّا ، وكلّيّته بلحاظ نفس المعنى.
ومنه ظهر عدم اختصاص الإشكال والدفع بالحرف ، بل يعمّ غيره. فتأمّل في المقام ، فإنّه دقيق ومزالّ الأقدام للأعلام ، وقد سبق في بعض الامور (٢) بعض الكلام ، والإعادة مع ذلك لما فيها من الفائدة والإفادة (٣) ، فافهم.
رابعها : [اختلاف المبادئ لا يوجب اختلافا في دلالة المشتقّ]
أنّ اختلاف المشتقّات في المبادئ ـ وكون المبدأ في بعضها حرفة وصناعة (٤) ، وفي بعضها قوة وملكة (٥) ، وفي بعضها فعليّا (٦) ـ لا يوجب اختلافا في دلالتها بحسب الهيئة أصلا ، ولا تفاوتا في الجهة المبحوث عنها ، كما لا يخفى (٧). غاية الأمر أنّه يختلف التلبّس به في المضيّ أو الحال ، فيكون التلبّس به فعلا لو اخذ حرفة أو ملكة ولو لم يتلبّس به إلى الحال أو انقضى عنه ، ويكون ممّا مضى أو يأتي
__________________
(١) أي : لتقيّد السير والبصرة والكوفة بالمعنى الحرفيّ الّذي اعتبر فيه قصد الآليّة.
(٢) في الأمر الثاني من المقدّمة : ٢٨.
(٣) ومن الفوائد المترتّبة على الإعادة ثبوت عدم المنافاة بين كون الشيء كلّيّا عقليّا وكونه جزئيّا ذهنيّا أو كونه كلّيّا طبيعيّا وكونه جزئيّا ذهنيّا.
(٤) كالخياطة في الخيّاط.
(٥) كالاجتهاد في المجتهد.
(٦) كالضرب في الضارب.
(٧) بخلاف الفاضل التونيّ ـ على ما في بدائع الأفكار (للمحقّق الرشتيّ) : ١٧٨ ، وحاشية قوانين الاصول ١ : ٧٨ ـ ، فإنّه توهّم أنّ النزاع لا يجري في المشتقّات الّتي مبدؤها حرفة ـ كالنجّار والخيّاط ـ والمشتقّات الّتي مبدؤها ملكة ـ كالاجتهاد ـ ، بل المتّفق عليه أنّ المشتقّ في هذه الموارد موضوع للأعمّ.