بيّنّاه في الفوائد (١) بما لا مزيد عليه ـ إلّا أنّك عرفت فيما تقدّم (٢) عدم الفرق بينه وبين الاسم بحسب المعنى ما لم يلحظ فيه (٣) الاستقلال بالمفهوميّة ولا عدم الاستقلال بها. وإنّما الفرق هو أنّه (٤) وضع ليستعمل واريد منه معناه حالة لغيره وبما هو في الغير ، ووضع غيره (٥) ليستعمل واريد منه معناه بما هو هو. وعليه يكون كلّ من الاستقلال بالمفهوميّة وعدم الاستقلال بها إنّما اعتبر في جانب الاستعمال ، لا في المستعمل فيه ، ليكون بينهما تفاوت بحسب المعنى ؛ فلفظ «الابتداء» لو استعمل في المعنى الآليّ ولفظة «من» في المعنى الاستقلاليّ لما كان مجازا واستعمالا له في غير ما وضع له ، وإن كان بغير ما وضع له (٦).
فالمعنى في كليهما في نفسه كليّ طبيعيّ يصدق على كثيرين ؛ ومقيّدا باللحاظ الاستقلاليّ أو الآليّ كليّ عقليّ (٧) ، وإن كان بملاحظة أنّ لحاظه وجوده ذهنا كان جزئيّا ذهنيّا (٨) ، فإنّ الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد وإن كان بالوجود الذهنيّ ، فافهم وتأمّل فيما وقع في المقام من الأعلام من الخلط والاشتباه وتوهّم كون الموضوع له أو المستعمل فيه في الحروف خاصّا ، بخلاف ما عداها ، فإنّه عامّ.
وليت شعري إن كان قصد الآليّة فيها موجبا لكون المعنى جزئيّا فلم لا يكون قصد الاستقلاليّة فيه (٩) موجبا له؟! وهل يكون ذلك إلّا لكون هذا القصد ليس ممّا يعتبر في الموضوع له ولا المستعمل فيه ، بل في الاستعمال؟ فلم لا يكون فيها كذلك؟! كيف؟ وإلّا لزم أن يكون معاني المتعلّقات غير منطبقة على الجزئيّات
__________________
(١) فوائد الاصول (للمصنّف) : ٦٦.
(٢) في الأمر الثاني من المقدّمة : ٢٨.
(٣) أي : في المعني.
(٤) أي : الحرف.
(٥) أي : الاسم.
(٦) أي : وإن كان بغير النحو الّذي وضع له اللفظ.
(٧) وفي النسخة الأصليّة : «أو الآليّ الكلّيّ كلّيّ عقليّ».
(٨) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «جزئيّا ذهنيّا» ، فإنّ لفظة «كان» مستدركة ، حيث إنّ قوله : «جزئيّا ذهنيّا» خبر كان في قوله : «وإن كان» ، فكان الأولى أن يقول : «وإن كان جزئيّا ذهنيّا بملاحظة أنّ لحاظه وجوده ذهنا».
(٩) أي : في الاسم.