ويؤيّده (١) أنّ المضارع يكون مشتركا معنويّا بين الحال والاستقبال ، ولا معنى له إلّا أن يكون له خصوص معنى صحّ انطباقه على كلّ منهما ، لا أنّه يدلّ على مفهوم زمان يعمّهما (٢) ، كما أنّ الجملة الاسميّة ك «زيد ضارب» يكون لها معنى صحّ انطباقه على كلّ واحد من الأزمنة ، مع عدم دلالتها على واحد منها أصلا ، فكانت الجملة الفعليّة مثلها.
وربما يؤيّد ذلك أنّ الزمان الماضي في فعله (٣) وزمان الحال أو الاستقبال في المضارع لا يكون ماضيا أو مستقبلا حقيقة لا محالة ، بل ربما يكون في الماضي مستقبلا حقيقة وفي المضارع ماضيا كذلك ، وإنّما يكون ماضيا أو مستقبلا في فعلهما بالإضافة ، كما يظهر من مثل قوله : «يجيء زيد بعد عام وقد ضرب قبله بأيّام» ، وقوله : «جاء زيد في شهر كذا وهو يضرب في ذلك الوقت أو فيما بعده ممّا مضى» ، فتأمّل جيّدا.
ثمّ لا بأس بصرف عنان الكلام إلى بيان ما به يمتاز الحرف عمّا عداه بما يناسب المقام ، لأجل الاطّراد في الاستطراد في تمام الأقسام (٤).
فاعلم أنّه وإن اشتهر بين الأعلام أنّ الحرف ما دلّ على معنى في غيره ـ وقد
__________________
ـ تلك الخصوصيّة مأخوذة في المعنى على نحو دخول التقيّد ، فالمعنى في الفعل الماضي تحقّق المادّة مقيّدا بكونه قبل زمان التكلّم ، بنحو دخول التقيّد وخروج القيد ؛ والمعنى في المضارع تحقّق المادّة مقيّدا بكونه في زمان التكلّم أو فيما بعده ، بنحو دخول التقيّد وخروج القيد ؛ فيكون الزمان في كلّ منهما مدلولا التزاميّا فيما إذا كان الفاعل زمانيّا.
وذهب المحقّق الاصفهانيّ إلى أنّ اختلافهما في القيد ، وأمّا ذات المقيّد ـ وهي النسبة الصدوريّة ـ فواحدة ، غاية الأمر أنّها متقيّدة بالسبق الزمانيّ في الماضي ، بنحو يكون التقيّد والقيد خارجا ، ومتقيّدة بعدم السبق الزماني في المضارع كذلك ، فيكون الزمان فيهما مدلولا تضمّنيّا. نهاية الدراية ١ : ١٢٢ ـ ١٢٤.
(١) أي : عدم دلالة الفعل على الزمان تضمّنا.
(٢) لأنّ المقارن للحدث هو مصداق الزمان ، لا مفهومه.
(٣) أي : فعل الماضي.
(٤) أي : تمام أقسام الكلمة من الاسم والفعل والحرف. وقد مرّ الكلام في الفرق بين المعنى الاسميّ والحرفيّ بما لا مزيد عليه.