هذا مضافا إلى ضرورة صحّة الحمل والإسناد في الجمل بلا تصرّف في ألفاظ الأطراف ، مع أنّه لو كانت موضوعة لها بما هي مرادة لما صحّ بدونه (١) ، بداهة أنّ المحمول على زيد في «زيد قائم» والمسند إليه في «ضرب زيد» ـ مثلا ـ هو نفس القيام والضرب ، لا بما هما مرادان ؛ وهكذا الحال في طرف الموضوع (٢).
مع أنّه يلزم كون وضع عامّة الألفاظ عامّا والموضوع له خاصّا ، لمكان اعتبار خصوص إرادة اللافظين فيما وضع له اللفظ (٣) ، فإنّه لا مجال لتوهّم أخذ مفهوم الإرادة فيه ، كما لا يخفى (٤).
[توجيه المحكيّ عن الشيخ الرئيس والمحقّق الطوسيّ]
وأمّا ما حكي عن العلمين : الشيخ الرئيس والمحقّق الطوسيّ ـ من مصيرهما
__________________
ـ الاستعمال ، ولذا لا يدلّ ما يصدر منه على المعنى المقصود وإن دلّ على نفس المعنى.
وبالجملة : لا تدلّ الألفاظ بالدلالة الوضعيّة إلّا على المعنى الموضوع له ، كما ذهب اليه المصنّف رحمهالله ، وتبعه تلميذه المحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار ١ : ٦٣ ـ ٦٤ والسيّد الإمام الخمينيّ في مناهج الوصول ١ : ١١٣ ـ ١١٥.
وخالفه السيّد المحقّق الخوئيّ مستدلّا بأنّ الغرض الباعث على الوضع هو ابراز المقاصد ، فلا يزيد سعة الوضع عن سعة ذلك الغرض ، فتختصّ العلقة الوضعيّة بصورة إرادة التفهيم ، وتنحصر الدلالة الوضعية في الدلالة التصديقيّة. محاضرات في اصول الفقه ١ : ١٠٤ ـ ١٠٥.
وأنت خبير بأنّه خلط بين الوضع والاستعمال وليس غرض الواضع إلّا جعل العلقة بين اللفظ والمعنى بحيث يفهم من اللفظ نفس المعنى لا المعنى المراد.
(١) أي : بدون التصرّف.
(٢) وفي النسخ المطبوعة ذكر قوله : «وهكذا الحال في طرف الموضوع» بعد قوله الآتي : «كما لا يخفى». ولكن الصحيح ما أثبتناه ، وهو الموافق لما في بعض النسخ.
(٣) فيكون الموضوع له هو المعاني المرادة بالإرادات الشخصيّة الحاصلة للمتكلّمين الموجبة لصيرورتها جزئيّة.
(٤) فالوجوه الّتي أقامها المصنّف رحمهالله ثلاثة : الأوّل : قوله : «لما عرفت ...». والثانى : ما أشار إليه بقوله : «مضافا إلى ضرورة ...». والثالث : ما تعرّض له بقوله : «مع أنّه يلزم ...».
واستدلّ عليه المحقّق العراقيّ بأنّ الإرادة من الامور المتأخّرة رتبة عن المعنى ، فيستحيل أخذها قيدا في ناحية الموضوع له. نهاية الأفكار ١ : ٦٣.