إلى أنّ الدلالة تتبع الإرادة (١) ـ فليس ناظرا إلى كون الألفاظ موضوعة للمعاني بما هي مرادة ـ كما توهّمه بعض الأفاضل (٢) ـ ، بل ناظر إلى أنّ دلالة الألفاظ على معانيها بالدلالة التصديقيّة (٣) ـ أي دلالتها على كونها مرادة للافظها ـ تتبع إرادتها منها (٤) وتتفرّع عليها ـ تبعيّة مقام الإثبات للثبوت وتفرّع الكشف على الواقع المكشوف ـ ، فإنّه لو لا الثبوت في الواقع لما كان للإثبات والكشف والدلالة مجال ، ولذا لا بدّ من إحراز كون المتكلّم بصدد الإفادة في إثبات إرادة ما هو ظاهر كلامه ودلالته على الإرادة (٥) ، وإلّا لما كانت لكلامه هذه الدلالة ، وإن كانت له الدلالة التصوّريّة ـ أي كون سماعه موجبا لإخطار معناه الموضوع له ، ولو كان من وراء الجدار أو من لافظ بلا شعور ولا اختيار ـ.
إن قلت : على هذا يلزم أن لا يكون هناك دلالة عند الخطأ والقطع بما ليس بمراد ، أو الاعتقاد بإرادة شيء ولم يكن له من اللفظ مراد.
قلت : نعم لا يكون حينئذ دلالة ، بل يكون هناك جهالة وضلالة يحسبها الجاهل دلالة.
ولعمري ما أفاده العلمان من التبعيّة ـ على ما بيّنّاه ـ واضح لا محيص عنه. ولا يكاد ينقضي تعجّبي كيف رضي المتوهّم أن يجعل كلامهما ناظرا إلى ما لا ينبغي صدوره عن فاضل ، فضلا عمّن هو علم في التحقيق والتدقيق؟!
__________________
(١) راجع الفصل الثامن من المقالة الاولى من الفن الأوّل من منطق الشفاء : ٤٢ ، وشرح الإشارات ١ : ٣٢.
(٢) وهو صاحب الفصول في الفصول الغرويّة : ١٧.
(٣) لا يخفى : أنّ حمل كلامهما على الدلالة التصديقيّة بعيد ، فإنّه لا يوافق صريح كلامهما من انحصار الدلالة اللفظيّة الوضعيّة في التصديقيّة. ولذا حمله غيره على محامل أخر ، فراجع نهاية الدراية ١ : ٣٩ ـ ٤٠ ، مناهج الوصول ١ : ١١٥.
(٤) والأولى أن يقول : «تتبع إحراز إرادتها منها» ، ضرورة أنّ مجرّد إرادة المتكلّم من دون إحرازها من السامع لا يوجب انتقال السامع إلى المعنى المراد ، كما أشار إليه بعد أسطر.
(٥) أي : وفي دلالة كلامه على المعنى المراد.