الخامس
[وضع الألفاظ لذوات المعاني]
لا ريب في كون الألفاظ موضوعة بإزاء معانيها من حيث هي ، لا من حيث هي مرادة للافظها ، لما عرفت بما لا مزيد عليه (١) من أنّ قصد المعنى على أنحائه من مقوّمات الاستعمال ، فلا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه (٢).
__________________
(١) في الأمر الثاني.
(٢) الأولى أن يقول : «فلا يكاد يكون من قيود الموضوع له». وذلك لما مرّت الإشارة إليه من الفرق بين الموضوع له والمستعمل فيه ، وهو أنّ الموضوع له يطلق على المعنى الملحوظ حال الوضع فيوضع اللفظ بإزائه حتّى يفهم من اللفظ عند صدوره ؛ والمستعمل فيه يطلق على الملحوظ حال الاستعمال. والملحوظ حال الاستعمال مراد للمستعمل قطعا ، سواء استعمل اللفظ واريد إفهام نفس الموضوع له أو اريد إفهام غيره ممّا يناسب الموضوع له أو اريد عدم إفهام معنى خاصّ.
وممّا ذكرنا يظهر أنّ لكلّ من الوضع والاستعمال غرض خاصّ ، فالغرض من الوضع ليس إلّا فهم نفس المعنى الملحوظ حال الوضع الّذي يفهم من اللفظ بمجرّد سماعه ، فليس الموضوع له إلّا نفس المعنى ، فلا يدلّ اللفظ بالدلالة الوضعيّة إلّا على نفس المعنى. وأمّا الاستعمال ـ وهو إظهار اللفظ ـ فالغرض منه دلالة السامع إلى ما يقصده المستعمل من إظهار اللفظ ، فليس المستعمل فيه إلّا ما يقصده المستعمل ، وهو تارة إفهام نفس الموضوع له ، وتارة اخرى إفهام ما يناسب الموضوع له ، وثالثة الإهمال والإجمال. فدلالة اللفظ على المستعمل فيه تابعة لإحراز ما أراده المتكلّم. وعلى هذا فلا يطلق المستعمل على من لم يصدر اللفظ عنه باختياره ، كالنائم والساهي وما يصدر عن فرق الهوى ، بل إنّما يصدر اللفظ منه ، والصدور أعمّ من ـ