فإنّه يقال : إنّما يلزم الكذب إذا أتى بها بداعي الإخبار والإعلام ، لا بداعي (١) البعث. كيف! وإلّا يلزم الكذب في غالب الكنايات ، فمثل «زيد كثير الرماد ، أو مهزول الفصيل» لا يكون كذبا إذا قيل كناية عن جوده ولو لم يكن له رماد أو فصيل أصلا ، وإنّما يكون كذبا إذا لم يكن بجواد ، فيكون الطلب بالخبر في مقام التأكيد أبلغ ، فإنّه مقال بمقتضى الحال.
هذا مع أنّه إذا أتى بها في مقام البيان فمقدّمات الحكمة مقتضية لحملها على الوجوب ، فإنّ تلك النكتة (٢) إن لم تكن موجبة لظهورها فيه (٣) فلا أقلّ من كونها موجبة لتعيّنه من بين محتملات ما هو بصدده ، فإنّ شدّة مناسبة الإخبار بالوقوع مع الوجوب موجبة لتعيّن إرادته إذا كان بصدد البيان مع عدم نصب قرينة خاصّة على غيره ، فافهم (٤).
المبحث الرابع
[ظهور صيغة الأمر في الوجوب]
إنّه إذا سلّم أنّ الصيغة لا تكون حقيقة في الوجوب هل لا تكون ظاهرة فيه أيضا ، أو تكون؟
قيل بظهورها فيه ، إمّا لغلبة الاستعمال فيه ، أو لغلبة وجوده ، أو أكمليّته (٥).
والكلّ كما ترى ، ضرورة أنّ الاستعمال في الندب وكذا وجوده ليس بأقلّ
__________________
(١) وفي بعض النسخ : «لداعي». ولكن الصحيح ما أثبتناه ، بل هو الظاهر من النسخة الأصليّة.
(٢) وهي دلالة الجملة الخبريّة على وقوع المطلوب في الخارج في مقام الطلب.
(٣) أي : في الوجوب.
(٤) لعلّه إشارة إلى أنّ ما ذكره مجرّد استحسان. وذلك لا يكفي في إثبات الوجوب ، بل يمكن أن يقال : أنّ النكتة المذكورة ـ أي الإخبار بالوقوع ـ انّما تكشف عن إرادة وقوع الفعل ، لا عن إرادته بنحو لا يرضى بتركه.
(٥) هذا ما ذهب إليه الشيخ محمّد تقيّ الاصفهانيّ في هداية المسترشدين : ١٣٩.