وكذا الحال في سائر الصيغ الإنشائيّة والجمل الخبريّة ، فإنه لا يكون غير الصفات المعروفة القائمة بالنفس ـ من الترجّي والتمنّي والعلم إلى غير ذلك ـ صفة اخرى كانت قائمة بالنفس وقد دلّ اللفظ عليها ، كما قيل (١) :
إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا (٢) |
وقد انقدح بما حقّقناه ما في استدلال الأشاعرة على المغايرة ـ بالأمر مع عدم الإرادة ، كما في صورتي الاختبار والاعتذار ـ من الخلل (٣) ؛ فإنّه كما لا إرادة حقيقة في الصورتين لا طلب كذلك فيهما ، والّذي يكون فيهما إنّما هو الطلب الإنشائيّ الإيقاعيّ الّذي هو مدلول الصيغة أو المادّة ، ولم يكن بيّنا ولا مبيّنا في الاستدلال مغايرته مع الإرادة الإنشائيّة.
__________________
(١) والقائل هو الأخطل الشاعر على ما في شرح المقاصد ٤ : ١٥٠.
(٢) حاصل ما التزم به الأشاعرة هو ثبوت صفة نفسانيّة اخرى في النفس غير الإرادة ومقدّماتها.
ومنشأ التزامهم بثبوت هذه الصفة هو توجيه اتّصاف الواجب تعالى بصفة المتكلّم. فقالوا : لا ريب أنّ الله (عزوجل) يكون متكلّما كما يكون عالما وقادرا. وبما أنّ صفاته (تعالى) عين ذاته وجودا فصفاته (تعالى) قديمة كقدم ذاته ، فيلزم أن يكون كلامه قديما. ومعلوم أنّ الكلام اللفظيّ حادث ، فيمتنع أن يكون المراد من كلامه هو الكلام اللفظيّ ، بل لا بدّ أن يكون هناك صفة اخرى في نفس المولى ـ غير الإرادة ـ يكشف عنها الكلام اللفظيّ ، وهي الكلام النفسيّ ، كما قال الشاعر :
إنّ الكلام لفي الفؤاد وانّما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
فالكلام اللفظيّ كاشف عن وجود صفة نفسانيّة ، سواء كان الكلام اللفظيّ إخباريّا أو إنشائيّا.
ومن هنا يظهر أنّ في مورد الإنشائيّات تكون في النفس صفة غير الإرادة يحكي عنها الكلام اللفظيّ الإنشائيّ ، وهي ما يعبّر عنه ب «الطلب» ، فيثبت أنّ الإرادة غير الطلب.
وأورد عليه المحقّق الاصفهانيّ بأنّ الالتزام بالكلام النفسيّ وأنّه صفة من صفات النفس غير الإرادة ، ممنوع ، لأنّ البرهان قائم في محلّه على حصر الكيفيّات النفسانيّة ، وليس منها الكلام النفسيّ. نهاية الدراية ١ : ١٨٢.
(٣) بيان ل «ما» الموصولة في قوله : «ما في استدلال الأشاعرة».