وإن كان ثابتا وجب الاحتياط فيه بحكم العقل ؛ إذ يحتمل أن يكون ما يرتكبه من المشتبهين هو الحرام الواقعيّ ، فيعاقب عليه ؛ لأنّ المفروض لمّا كان ثبوت التكليف بذلك المحرّم لم يقبح العقاب عليه إذا اتّفق ارتكابه ولو لم يعلم به (١) حين الارتكاب.
واختبر ذلك من حال العبد إذا قال له المولى : «اجتنب وتحرّز عن الخمر المردّد بين هذين الإناءين» ؛ فإنّك لا تكاد ترتاب في وجوب الاحتياط ، ولا فرق بين هذا الخطاب وبين أدلّة المحرّمات الثابتة في الشريعة إلاّ العموم والخصوص.
توهّم جريان أصالة الحلّ في كلا المشتبهين والتخيير بينهما ودفعه
فإن قلت : أصالة الحلّ في كلا المشتبهين جارية في نفسها ومعتبرة لو لا المعارض ، وغاية ما يلزم في المقام تعارض الأصلين ، فيتخيّر (٢) في العمل (٣) في أحد المشتبهين ، ولا وجه لطرح كليهما.
قلت : أصالة الحلّ غير جارية هنا بعد فرض كون المحرّم الواقعيّ مكلّفا بالاجتناب عنه منجّزا ـ على ما هو مقتضى (٤) الخطاب بالاجتناب عنه ـ ؛ لأنّ مقتضى العقل في الاشتغال اليقينيّ بترك الحرام الواقعيّ هو الاحتياط والتحرّز عن كلا المشتبهين حتّى لا يقع في محذور فعل الحرام ، وهو معنى المرسل المرويّ (٥) في بعض كتب الفتاوى : «اترك ما لا بأس
__________________
(١) لم ترد «به» في (ه).
(٢) في (ر) و (ه): «فتخيّر».
(٣) في (ظ) زيادة : «به».
(٤) في (ظ) زيادة : «عموم».
(٥) لم ترد «المرويّ» في (ت) و (ه).