درس فرائد الاصول - برائت

جلسه ۸۰: احتیاط ۷

جواد مروی
استاد
جواد مروی
 
۱

صوت این جلسه موجود نیست

وإن كان ثابتا وجب الاحتياط فيه بحكم العقل ؛ إذ يحتمل أن يكون ما يرتكبه من المشتبهين هو الحرام الواقعيّ ، فيعاقب عليه ؛ لأنّ المفروض لمّا كان ثبوت التكليف بذلك المحرّم لم يقبح العقاب عليه إذا اتّفق ارتكابه ولو لم يعلم به (١) حين الارتكاب.

واختبر ذلك من حال العبد إذا قال له المولى : «اجتنب وتحرّز عن الخمر المردّد بين هذين الإناءين» ؛ فإنّك لا تكاد ترتاب في وجوب الاحتياط ، ولا فرق بين هذا الخطاب وبين أدلّة المحرّمات الثابتة في الشريعة إلاّ العموم والخصوص.

توهّم جريان أصالة الحلّ في كلا المشتبهين والتخيير بينهما ودفعه

فإن قلت : أصالة الحلّ في كلا المشتبهين جارية في نفسها ومعتبرة لو لا المعارض ، وغاية ما يلزم في المقام تعارض الأصلين ، فيتخيّر (٢) في العمل (٣) في أحد المشتبهين ، ولا وجه لطرح كليهما.

قلت : أصالة الحلّ غير جارية هنا بعد فرض كون المحرّم الواقعيّ مكلّفا بالاجتناب عنه منجّزا ـ على ما هو مقتضى (٤) الخطاب بالاجتناب عنه ـ ؛ لأنّ مقتضى العقل في الاشتغال اليقينيّ بترك الحرام الواقعيّ هو الاحتياط والتحرّز عن كلا المشتبهين حتّى لا يقع في محذور فعل الحرام ، وهو معنى المرسل المرويّ (٥) في بعض كتب الفتاوى : «اترك ما لا بأس

__________________

(١) لم ترد «به» في (ه).

(٢) في (ر) و (ه): «فتخيّر».

(٣) في (ظ) زيادة : «به».

(٤) في (ظ) زيادة : «عموم».

(٥) لم ترد «المرويّ» في (ت) و (ه).

به حذرا عمّا به البأس» (١) ، فلا يبقى مجال للإذن في فعل أحدهما. وسيجيء في باب الاستصحاب (٢) ـ أيضا ـ : أنّ الحكم في تعارض كلّ أصلين (٣) لم يكن أحدهما حاكما على الآخر ، هو التساقط لا التخيير.

الحكم في تعارض الأصلين هو التساقط ، لا التخيير

فإن قلت : قوله : «كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف أنّه حرام» (٤) و (٥) نحوه (٦) ، يستفاد منه حلّية المشتبهات بالشبهة المجرّدة عن العلم الإجماليّ جميعا ، وحلّية الشبهات (٧) المقرونة بالعلم الإجماليّ على البدل ؛ لأنّ الرخصة في كلّ شبهة مجرّدة لا تنافي الرخصة في غيرها ؛ لاحتمال كون الجميع حلالا في الواقع ، فالبناء على كون هذا المشتبه بالخمر خلا ، لا ينافي البناء على كون المشتبه الآخر خلا.

وأمّا الرخصة في الشبهة المقرونة بالعلم الإجماليّ والبناء على كونه خلاّ لمّا تستلزم وجوب البناء على كون المحرّم هو المشتبه الآخر ، فلا يجوز الرخصة فيه جميعا ، نعم يجوز الرخصة فيه بمعنى جواز ارتكابه والبناء على أنّ المحرّم غيره ، مثل : الرخصة في ارتكاب أحد المشتبهين

__________________

(١) ورد ما يقرب منه في البحار ٧٧ : ١٦٦ ، الحديث ١٩٢.

(٢) انظر مبحث الاستصحاب ٣ : ٤٠٩.

(٣) في (ر) ، (ص) و (ه) زيادة : «إذا».

(٤) في (ر) ، (ص) و (ه) بدل (أنّه حرام): «الحرام». الوسائل ١٢ : ٦٠ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.

(٥) في (ر) ، (ص) و (ه): «أو».

(٦) انظر الوسائل ١٢ : ٥٩ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.

(٧) في (ر) و (ص): «المشتبهات».

بالخمر مع العلم بكون أحدهما خمرا ، فإنّه لمّا علم من الأدلّة تحريم الخمر الواقعي ولو تردّد بين الأمرين ، كان معنى الرخصة في ارتكاب أحدهما الإذن في البناء على عدم كونه هو الخمر المحرّم عليه وأنّ المحرّم غيره ، فكلّ منهما حلال ، بمعنى جواز البناء على كون المحرّم غيره.

والحاصل : أنّ مقصود الشارع من هذه الأخبار أن يلغي من طرفي الشكّ في حرمة الشيء وحلّيته احتمال الحرمة ويجعل محتمل الحلّية في حكم متيقّنها ، ولمّا كان في المشتبهين بالشبهة المحصورة شكّ واحد ولم يكن فيه إلاّ احتمال كون هذا حلالا وذاك حراما واحتمال العكس ، كان إلغاء احتمال الحرمة في أحدهما إعمالا له في الآخر وبالعكس ، وكان الحكم الظاهريّ في أحدهما بالحلّ حكما ظاهريا بالحرمة في الآخر ، وليس معنى حلّية كلّ منهما إلاّ الإذن في ارتكابه وإلغاء احتمال الحرمة فيه المستلزم لإعماله في الآخر.

فتأمّل حتّى لا تتوهّم : أنّ استعمال قوله عليه‌السلام : «كلّ شيء لك حلال» بالنسبة إلى الشبهات المقرونة بالعلم الإجماليّ والشبهات المجرّدة استعمال في معنيين.

عدم استفادة الحليّة على البدل من أخبار «الحلّ»

قلت : الظاهر من الأخبار المذكورة البناء على حلّية محتمل التحريم والرخصة فيه ، لا وجوب البناء على كونه هو الموضوع المحلّل.

ولو سلّم ، فظاهرها البناء على كون كلّ مشتبه كذلك ، وليس الأمر بالبناء على كون أحد المشتبهين هو الخلّ أمرا بالبناء على كون الآخر هو الخمر ، فليس في الروايات من البدليّة عين ولا أثر ، فتدبّر.

أدلّة القول بجواز ارتكاب ما عدا مقدار الحرام :

احتجّ من جوّز ارتكاب ما عدا مقدار الحرام ومنع عنه بوجهين :

الأوّل :

١ ـ ما دلّ على حِلّ مالم يعلم حرمته

الأخبار الدالّة على حلّ ما لم يعلم حرمته التي تقدّم بعضها (١) ، وإنّما منع من ارتكاب مقدار الحرام ؛ إمّا لاستلزامه للعلم بارتكاب الحرام وهو حرام ، وإمّا لما ذكره بعضهم (٢) : من أنّ ارتكاب مجموع المشتبهين حرام ؛ لاشتماله على الحرام ، قال في توضيح ذلك :

إنّ الشارع منع عن استعمال الحرام المعلوم وجوّز استعمال ما لم يعلم حرمته ، والمجموع من حيث المجموع معلوم الحرمة ولو باعتبار جزئه وكذا كلّ منهما بشرط الاجتماع مع الآخر ، فيجب اجتنابه ، وكلّ منهما بشرط الانفراد مجهول الحرمة فيكون حلالا (٣).

المناقشة في الدليل المذكور

والجواب عن ذلك : أنّ الأخبار المتقدّمة ـ على ما عرفت (٤) ـ إمّا أن لا تشمل شيئا من المشتبهين ، وإمّا أن تشملهما جميعا ، وما ذكر (٥) من الوجهين لعدم جواز ارتكاب الأخير بعد ارتكاب الأوّل ، فغير صالح للمنع.

أمّا الأوّل ؛ فلأنّه : إن اريد أنّ مجرّد تحصيل العلم بارتكاب الحرام

__________________

(١) راجع الصفحة ٢٠٠ ـ ٢٠١.

(٢) هو الفاضل النراقي قدس‌سره في مناهج الأحكام.

(٣) مناهج الأحكام : ٢١٧.

(٤) راجع الصفحة ٢٠١ ـ ٢٠٢.

(٥) في (ص): «ذكره».

حرام ، فلم يدلّ دليل عليه ، نعم تحصيل العلم بارتكاب الغير للحرام حرام من حيث التجسّس المنهيّ عنه وإن لم يحصل له العلم.

وإن اريد : أنّ الممنوع عنه عقلا من مخالفة أحكام الشارع (١) ـ بل مطلق الموالي ـ هي المخالفة العلميّة دون الاحتماليّة ؛ فإنّها لا تعدّ عصيانا في العرف ، فعصيان الخطاب باجتناب الخمر المشتبه هو ارتكاب المجموع دون المحرّم الواقعيّ وإن لم يعرف حين الارتكاب ، وحاصله : منع وجوب المقدّمة العلميّة ، ففيه :

مع إطباق العلماء بل العقلاء ـ كما حكي ـ على وجوب المقدّمة العلميّة ، أنّه : إن اريد من حرمة المخالفة العلميّة حرمة المخالفة المعلومة حين المخالفة ، فهذا اعتراف بجواز ارتكاب المجموع تدريجا ؛ إذ لا يحصل معه مخالفة معلومة تفصيلا.

وإن اريد منها حرمة المخالفة التي تعلّق العلم بها ولو بعدها ، فمرجعها إلى حرمة تحصيل العلم الذي يصير به المخالفة معلومة ، وقد عرفت منع حرمتها جدّا.

وممّا ذكرنا يظهر : فساد الوجه الثاني ؛ فإنّ حرمة المجموع إذا كان باعتبار جزئه الغير المعيّن ، فضمّ الجزء الآخر إليه لا دخل له في حرمته. نعم له دخل في كون الحرام معلوم التحقّق ، فهي مقدّمة للعلم بارتكاب الحرام ، لا لنفسه ، فلا وجه لحرمتها بعد عدم حرمة العلم بارتكاب الحرام.

ومن ذلك يظهر : فساد جعل الحرام كلا منهما بشرط الاجتماع مع

__________________

(١) في (ر) ، (ص) و (ه): «الشرع».

الآخر ؛ فإنّ حرمته وإن كانت معلومة ، إلاّ أنّ الشرط شرط لوصف كونه معلوم التحقّق لا لذات الحرام ، فلا يحرم إيجاد الاجتماع ، إلاّ إذا حرم جعل ذات الحرام معلومة التحقّق ، ومرجعه إلى حرمة تحصيل العلم بالحرام.

الثاني :

٢ ـ ما دلّ على جواز تناول الشبهة المحصورة

ما دلّ (١) على جواز تناول الشبهة المحصورة ، فيجمع بينه (٢) ـ على تقدير ظهوره في جواز تناول الجميع (٣) ـ وبين ما دلّ على تحريم العنوان الواقعيّ ، بأنّ الشارع جعل بعض المحتملات بدلا عن الحرام الواقعيّ ، فيكفي تركه في الامتثال الظاهريّ ، كما لو اكتفى بفعل الصلاة إلى بعض الجهات المشتبهة ورخّص في ترك الصلاة إلى بعضها. وهذه الأخبار كثيرة :

موثّقة سماعة

منها : موثّقة سماعة. قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أصاب مالا من عمّال بني اميّة ، وهو يتصدّق منه ويصل قرابته ويحجّ ؛ ليغفر له ما اكتسب ، ويقول : إنّ الحسنات يذهبن السيّئات ، فقال عليه‌السلام : إنّ الخطيئة لا تكفّر الخطيئة ، وإنّ الحسنة تحطّ الخطيئة. ثمّ قال : إن كان

__________________

(١) في (ص) و (ظ) زيادة : «بنفسه أو بضميمة ما دلّ على المنع عن ارتكاب الحرام الواقعيّ».

(٢) في (ر) و (ص): «بينها» ، وفي (ظ): «بينهما».

(٣) لم ترد «على تقدير ظهوره في جواز تناول الجميع» في (ظ) ، وفي (ص) كتب عليها : «زائد».