وثانيا: لو سلّم أنّ المراد النفر إلى الجهاد، لكن لا يتعيّن أن يكون النفر من كلّ قوم طائفة لأجل مجرّد الجهاد؛ بل لو كان لمحض الجهاد لم يتعيّن أن ينفر من كلّ قوم طائفة، فيمكن أن يكون التفقّه غاية لإيجاب النفر على طائفة من كلّ قوم، لا لإيجاب أصل النفر.
وثالثا: إنّه قد فسّر الآية بأنّ المراد نهي المؤمنين عن نفر جميعهم إلى الجهاد؛ كما يظهر من قوله: ﴿وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾، وأمر بعضهم بأن يتخلّفوا عند النبيّ صلىاللهعليهوآله ولا يخلّوه وحده، فيتعلّموا مسائل حلالهم وحرامهم حتّى ينذروا قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم.
والحاصل: أنّ ظهور الآية في وجوب التفقّه والإنذار ممّا لا ينكر، فلا محيص عن حمل الآية عليه (وجوب تفقه و انذار) وإن لزم مخالفة الظاهر في سياق الآية أو بعض ألفاظها (آیه).
وممّا يدلّ على ظهور الآية في وجوب التفقّه والإنذار: استشهاد الإمام بها (آیه) على وجوبه (تفقه) في أخبار كثيرة.
منها: ما عن الفضل بن شاذان في علله، عن الرضا عليهالسلامفي حديث، قال:
«إنّما امروا بالحجّ؛ لعلّة الوفادة إلى الله، وطلب الزيادة، والخروج عن كلّ ما اقترف (مرتکب شده) العبد» ـ إلى ـ أن قال ـ : «ولأجل ما فيه (حج) من التفقّه ونقل أخبار الأئمّة عليهمالسلام إلى كلّ صقع (منطقه) وناحية؛ كما قال الله عزّ وجلّ: ﴿فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ...﴾ الآية».
ومنها: ما ذكره في ديباجة (مقدمه) المعالم: من رواية عليّ بن أبي حمزة، قال:
«سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول: تفقّهوا في الدّين؛ فإنّه من لم يتفقّه منكم في الدين فهو أعرابيّ؛ إنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾».
ومنها: ما رواه في الكافي ـ في باب ما يجب على الناس عند مضيّ الإمام عليهالسلام ـ من صحيحة يعقوب بن شعيب، قال:
«قلت لأبي عبد الله عليهالسلام: إذا حَدَثَ (حادثهای اتفاق افتاد) على الإمام حدث كيف يصنع الناس؟ قال: أين قول الله عزّ وجلّ: (فَلَوْ لا نَفَرَ...)؟ قال: هم في عذر ما داموا في الطلب (طلب در اینکه چه کسی امام است)، وهؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتّى يرجع إليهم أصحابهم».
ومنها: صحيحة عبد الأعلى، قال: «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول العامّة: إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهليّة؟ قال: حقّ والله، قلت: فإنّ إماما هلك، ورجل بخراسان لا يعلم من وصيّه (امام)، لم يسعه (فرد) ذلك؟ قال: لا يسعه (فرد)؛ إنّ الإمام إذا مات وقعت (ظاهر میشود) حجّة وصيّه (امام) على من هو معه في البلد، وحقّ النفر على من ليس بحضرته (امام) إذا بلغهم (خبر شهادت امام)؛ إنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ...﴾ الآية».
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليهالسلام، وفيها: «قلت: أفيسع الناس إذا مات العالم أن لا يعرفوا الذي بعده (امام)؟ فقال: أمّا أهل هذه البلدة فلا ـ يعني أهل المدينة ـ وأمّا غيرها (اهل مدینه) من البلدان فبقدر مسيرهم؛ إنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ﴾».
ومنها: صحيحة البزنطيّ المرويّة في قرب الإسناد، عن أبي الحسن الرضاعليهالسلام.
ومنها: رواية عبد المؤمن الأنصاريّ الواردة في جواب من سأل عن قول هصلىاللهعليهوآله: «اختلاف امّتي رحمة»، قال: «إذا كان اختلافهم رحمة فاتّفاقهم عذاب؟! ليس هذا يراد، إنّما يراد الاختلاف (پخش شوند) في طلب العلم، على ما قال الله عزّ وجلّ: ﴿فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ﴾»، الحديث منقول بالمعنى ولا يحضرني ألفاظه.
وجميع هذا (روایات) هو السرّ في استدلال أصحابنا بالآية الشريفة على وجوب تحصيل العلم وكونه كفائيّا.
هذا غاية ما قيل أو يقال في توجيه الاستدلال بالآية الشريفة.