فانّا نعلم قطعا انّ النّاس إذا كان لهم رئيس مرشد مطاع ينتصف للمظلوم من الظّالم ويردع الظّالم عن ظلمه كانوا إلى الصّلاح أقرب ومن الفساد ابعد. وقد تقدّم أنّ اللّطف واجب.
اقول : هذا البحث وهو بحث الإمامة من توابع النّبوّة وفروعها. والإمامة رئاسة عامّة فى أمور الدّين والدّنيا لشخص انسانّى. فالرّياسة جنس قريب ، والجنس البعيد هو النّسبة ، وكونها عامّة فصل يفصلها عن ولاية القضاة والنّوّاب. وفى أمور الدّين والدّنيا بيان لمتعلّقها ، فانّها كما تكون فى الدّين فكذا فى الدّنيا. وكونها لشخص انسانّى فيه إشارة إلى أمرين : أحدهما ، انّ مستحقّها يكون شخصا معيّنا معهودا من الله تعالى ورسوله ، لا اىّ شخص اتّفق. وثانيهما ، انه لا يجوز ان يكون مستحقّها أكثر من واحد فى عصر واحد ، وزاد بعض الفضلاء فى التّعريف بحقّ الأصالة. وقال فى تعريفها : الإمامة رئاسة عامّة فى أمور الدّين والدّنيا لشخص انسانىّ بحقّ الأصالة واحترز بهذا عن نائب يفوّض إليه الإمام عموم الولاية ، فانّ رئاسته عامّة لكن ليست بالأصالة. والحقّ ان ذلك تخرج بقيد العموم ، فانّ النّائب المذكور لا رئاسة له على إمامه فلا يكون رئاسته عامّة ومع ذلك كلّه فالتّعريف ينطبق على النّبوّة فحينئذ يزاد فيه بحقّ النّيابة عن النّبيّ (ص) أو بواسطة بشر.
اذا عرفت هذا فاعلم ، ان النّاس اختلفوا فى الإمامة هل هى واجبة أم لا. فقالت الخوارج انّها ليست بواجبة مطلقا. وقالت الأشاعرة والمعتزلة بوجوبها على الخلق ثم اختلفوا. وقالت الاشاعرة ذلك معلوم سمعا. وقالت المعتزلة عقلا. وقال اصحابنا الامامية هى واجبة عقلا على الله تعالى ، وهو الحقّ. والدليل على حقيّته هو انّ الإمامة لطف وكلّ لطف واجب على الله تعالى ، فالإمامة واجبة على الله تعالى. أمّا الكبرى فقد تقدّم بيانها. وامّا الصّغرى فهو ان اللّطف كما عرفت هو ما يقرّب العبد الى الطّاعة ويبعّده عن المعصية ، وهذه المعنى حاصل فى الإمامة. وبيان ذلك أنّ من عرف عوائد