﴿قَالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهتَدُونَ ، وحثّ على النّظر والاستدلال قوله تعالى  ﴿ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

قال : فلا بدّ من ذكر ما لا يمكن جهله على أحد من المسلمين ، ومن جهل شيئا من ذلك خرج عن ربقة المؤمنين ، واستحقّ العقاب الدّائم.

اقول : لمّا وجبت المعارف المذكورة بالدّليل السّابق ، اقتضى ذلك وجوبها على كلّ مسلم ، أى مقرّ بالشّهادتين ، ليصير بالمعرفة مؤمنا لقوله تعالى :  ﴿قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا نفى عنهم الايمان مع كونهم مقرّين بالالهيّة والرّسالة لعدم كون ذلك بالنّظر والاستدلال ، وحيث أنّ الثّواب مشروط بالايمان ، كان الجاهل بهذه المعارف مستحقا للعقاب الدّائم ، لانّ كلّ من لا يستحقّ الثّواب أصلا مع اتّصافه بشرائط التّكليف ، فهو مستحقّ للعقاب بالاجماع.

والرّبقة ـ بكسر الرّاء وسكون الباء ـ حبل مستطيل فيه عرى تربط فيها البهم ، واستعاره المصنّف هنا للحكم الجامع للمؤمنين ، وهو استحقاق الثّواب الدّائم والتّعظيم.

قال : وقد رتّبت هذا الباب على فصول :

الفصل الأول فى إثبات واجب الوجود لذاته تعالى.

فنقول كلّ معقول إمّا أن يكون واجب الوجود فى الخارج لذاته ، وإمّا ممكن الوجود لذاته ، وإمّا ممتنع الوجود لذاته.

اقول : المطلب الاقصى والعمدة العليا فى هذا الفنّ هو اثبات الصّانع تعالى ، فلذلك ابتدأ به ، وقدّم لبيانه مقدّمة فى تقسيم المعقول ، لتوقّف الدّليل الآتى على بيانها وتقريرها ، أنّ كلّ معقول ، وهو الصّورة الحاصلة فى العقل ، اذا نسبنا إليه الوجود

۲۹۲