والعاصى والمثاب والمعاقب ، والبدن يجرى مجرى الآلة لها ، والنفس باقية بعد خراب البدن.
ورابعها ، القول بعدم ثبوت شيء منهما وهو مذهب القدماء من الفلاسفة الطبيعيّين.
وخامسها ، القول بالتّوقّف فى هذه الأقسام وهو المنقول عن جالينوس.
والمقصود هاهنا إثبات المعاد البدنىّ وهو مما وقع عليه الإجماع ، ولذا قال المصنّف اتّفق المسلمون كافّة أى جميعا ليشمل جميع أهل الملل ، على وجوب المعاد البدنىّ وثبوته قطعا ، وكلّ ما اتّفق المسلمون كافّة على وجوبه فهو حقّ ثابت لأنّ الإجماع حجّة إجماعا ، فالمعاد البدنىّ حقّ ثابت. وبملاحظة هذا الدّليل قال ولأنّه عطف على ما يفهم من فحوى الكلام أى المعاد البدنى لو لاه ثابت لقبح التّكليف والتّالى باطل فالمقدّم مثله ، أمّا الشّرطيّة فلأنّ التّكليف بالأوامر والنّواهى على تقدير عدم ثبوت المعاد البدنىّ تكليف بالمشقّة بلا فائدة ، ضرورة انّ إيصال الفائدة موقوف على المعاد البدنى ، ولا شك انّ التّكليف بالمشقّة من غير فايدة ظلم قبيح. وأمّا بطلان التّالى فلما تقدّم من استحالة القبيح عليه تعالى.
وأيضا لو لم يكن المعاد البدنى ثابتا لم يتصوّر ايفاء الله تعالى بوعده بالثّواب على الطّاعة وبتوعّده بالعقاب على المعصية ، واللّازم باطل فالملزوم مثله ، أمّا الملازمة فلأنّه لا يتصوّر الثّواب والعقاب بعد الموت ، إلّا بالمعاد البدنىّ ، وأمّا بطلان اللّازم فلأنّه تعالى وعد المكلّفين بالثّواب وتوعّدهم بالعقاب بعد الموت ، ومن البيّن انّ الإيفاء بالوعد والوعيد واجب وعدمه قبيح يستحيل عليه تعالى.
وفى كلا الدّليلين نظر ، لأنّ التّكليف والإيفاء بالوعد والوعيد لا يستدعيان المعاد البدنىّ بل مطلق المعاد ، لإمكان إيصال الثّواب والعقاب إلى النّفس النّاطقة فى عالم المجرّدات من غير عودها إلى البدن. وما قيل فى دفعه من أنّ بعض التّكاليف بدنيّة فيجب إعادة البدن وإيصال مستحقّها إليها بمقتضى العدل ليس بشيء ، لأنّ كون التّكليف بدنيّا لا يستلزم كون الثّواب والعقاب بدنيّين كما لا يخفى. نعم يمكن توجيه الدّليل الثّاني بأنّ الله تعالى وعد بالثّواب البدنىّ مثل دخول الجنّة والتلذّذ بلذّاتها ، وتوعّد بالعقاب البدنىّ مثل