قوله (ص) لامير المؤمنين (ع) حين خرج إلى غزوة تبوك واستخلفه على المدينة أنت منّى بمنزلة هارون من موسى (ع) إلّا انّه لا نبىّ بعدى. ومن البيّن المكشوف أنّ مقام الاستخلاف وقوله : إلا انه لا نبىّ بعدى يدلّان على أنّ المراد من المنزلة هو المرتبة المتعلّقة باستحقاق التّولّى والتّصرف فى أمور العباد ، وقد كانت مرتبة هارون من موسى فى ذلك الاستحقاق أقوى من مرتبة غيره من أصحاب موسى (ع) فكذا مرتبة امير المؤمنين (ع) فيه يكون أقوى من مرتبة غيره فيكون هو الإمام ، وأيضا الاستثناء يدلّ على أنّ كلّ منزلة كانت لهارون بالنّسبة الى موسى مما تتعلّق بإعانته ونصرة دينه ثابتة لامير المؤمنين (ع) سوى النّبوة ، ومن منازل هارون من موسى انّه قد كان شريكا له فى النّبوة ومن لوازم ذلك استحقاق الطّاعة العامّة بعد وفاة موسى لو بقى ، فوجب أن يثبت هذا لأمير المؤمنين (ع) لكن امتنع الشّركة فى النّبوة بالاستثناء ، فوجب أن يبقى مفترض الطّاعة على الأمّة بعد النّبيّ (ص) بلا فصل عملا بالدّليل باقصى ما يمكن.
وأجاب الخصم هاهنا بمثل ما اجاب سابقا ولا يخفى على المنصف ما فيه من المكابرة والعناد كما هو عادة اهل الفساد.
ولأنّه عطف على قوله : للنّص والضمير لامير المؤمنين (ع) أفضل من جميع الصّحابة وأكمل منهم فى الفضائل والكمالات لقوله تعالى : ﴿وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ﴾ حيث جعله الله تعالى نفس الرّسول بناء على ما صرّح به أئمّة التّفسير من أنّ المراد من أنفسنا هو امير المؤمنين (ع) عبّر عنه بصيغة الجمع تعظيما لشأنه. ومن البيّن أنّه ليس المراد من النّفسية حقيقة الاتّحاد بل المراد المساوات فيما يمكن المساوات فيه من الفضائل والكمالات لانّه أقرب المعانى المجازية إلى المعنى الحقيقى فيحمل عليها عند تعذّر الحقيقة على ما هو قاعدة الأصول. ولا شكّ انّ الرّسول أفضل الناس اتّفاقا ومساوى الأفضل على جميع النّاس أفضل عليهم قطعا.
ولاحتياج النّبيّ (ص) عطف على قوله تعالى إليه أى امير المؤمنين فى المباهلة دون غيره ممن وقع النّزاع فى أفضليّتهم بعد النّبيّ (ص) ، وذلك لأنّه