وإذا تمهّد هذه المقدّمات فنقول :
الحقّ المختار عند الفرقة النّاجية مذهب المعتزلة وإلى هذا اشار بقوله : والمراد بالكلام المستند الى الله تعالى فى الشّرع الحروف لا معانيها كما هو المشهور عند الأشاعرة المسموعة لا المتخيّلة كما اختاره بعض المحقّقين فى تحقيق كلام الأشعرى وسيجيء بيانه. المنتظمة اى المرتّبة ترتيبا يدلّ على الحدوث لا كما زعمت الحنابلة من أنّ الحروف المسموعة قديمة ومعنى أنّه يوجد الكلام فى جسم من الأجسام كشجرة موسى (ع) او الملك او النّبي (ع) لا كما زعمت الأشاعرة من أنّ معنى كونه تعالى متكلّما بالكلام النفسي ، ولا كما زعمت الحنابلة والكراميّة من أن معنى كونه تعالى متكلّما أنّه متّصف بالكلام مع كونه عندهم عبارة عن تلك الحروف المسموعة المنظومة.
أمّا بيان أنّ كلامه تعالى تلك الحروف المذكورة الحادثة فمن وجوه :
منها أنّه علم بالضّرورة من الدّين أنّ كلام الله تعالى هو هذا المؤلّف المنتظم من الحروف المسموعة بحيث لا ينصرف الذّهن منه إلّا إليه.
ومنها أنّ كلامه تعالى لو كان أزليّا لزم الكذب فى أخباره الماضويّة كقوله تعالى : ﴿إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً﴾ و ﴿قالَ مُوسى﴾ وغيرهما.
ومنها أنّ كلامه تعالى يشتمل على أمر ونهى ونحوهما ، فلو كان أزليّا لزم الأمر بلا مأمور والنّهى بلا منهىّ وذلك سفه.
وأجيب عن الأوّل بأنّه لا نزاع فى إطلاق كلام الله على هذا المؤلّف الحادث وهو المتعارف عند عامّة القرّاء والفقهاء والاصوليّين ، إلّا انّه كما يطلق على هذا يطلق على المعنى النّفسىّ القائم بذاته تعالى وهو أزليّ ، وفيه ان النّفسانىّ غير معقول ، وسيأتى تحقيقه إن شاء الله تعالى.
وعن الثّاني والثّالث بأنّ كلامه تعالى لم يتّصف فى الأزل بالماضى والحال والاستقبال والأمر والنّهى وغيرهما ، بل إنّما يتّصف بها فيما لا يزال بحسب التعلّقات.