والجود الذي لا يخالطه بخل ، أن يفيض ما هو الأصلح في النظام الأتم ، وأن يوجد ما هو خير محض ، وما هو خيره أكثر من شره ؛ لأن في ترك الأول شرا محضا ، وفي ترك الثاني شرا كثيرا ، فما يوجد من الشر ، نادر قليل بالنسبة إلى ما يوجد من الخير ، وإنما وجد الشر القليل بتبع الخير الكثير» (١) فالنظام الموجود هو النظام الأتم والأحسن الذي علمه تعالى وأوجده على وفق علمه كما قال الشيخ أبو علي ابن سينا في الاشارات : «اشارة : فالعناية هي إحاطة علم الأول بالكل ، وبالواجب أن يكون عليه الكل حتى يكون على أحسن النظام ، وبأن ذلك واجب عنه وعن إحاطته به فيكون الموجود وفق المعلوم على أحسن النظام من غير انبعاث قصد وطلب من الأول الحق ، فعلم الأول بكيفية الصواب في ترتيب وجود الكل منبع لفيضان الخير في الكل» (٢).

وأما الجواب التفصيلي فمتعدد :

الأول : هو ما ذهب إليه جل الفلاسفة وبعض الفحول من المتكلمين ، وحاصله أن الشرور لا تطلق حقيقة إلّا على عدم الوجود مما له شأن الوجود ، كموت زيد بعد وجوده ، أو عدم الشجر بعد وجوده ، أو على عدم كمال الوجود ممن له شأنية ذلك الكمال ، كعدم الثمر من الشجر القابل له ، أو عدم العلم عمن له شأنية العلم ، ولذلك قال في شرح الاشارات : «الشر يطلق على امور عدمية من حيث هي غير مؤثرة كفقدان كل شيء ما من شأنه أن يكون له مثل الموت والفقر والجهل» (٣) وأما عدم شيء مأخوذ بالنسبة إلى ماهيته كعدم زيد فلا

__________________

(١) تفسير الميزان : ج ١٣ ص ٢٠١.

(٢) الإشارات والتنبيهات : ج ٣ ص ٣١٨. والمراد من الأول هو الله تعالى وحاصله أن علمه تعالى بثلاثة منشأ للخلقة الأول علمه بالكل الثاني علمه بما يليق كل شيء ان يقع عليه الثالث علمه بان ذلك واجب الصدور منه.

(٣) راجع رشحات البحار والانسان والفطرة : ص ١٣٥ ، والشوارق : ج ١ ص ٥٣ ، وشرح تجريد

۳۲۰۱