ولا نقول بجريان استصحاب الحدث إلى حين الصلاة ؛ لعدم فعليّة الشكّ إلاّ بعد الصلاة.
وأمّا : الاستصحاب الجاري بعد الصلاة فهو محكوم لقاعدة الفراغ.
أمّا : لو قلنا بجريان الاستصحاب مع الشكّ التقديريّ ، وكان يقدّر فيه الشكّ في الحدث لو أنّه التفت قبل الصلاة ، فإنّ المصلّي حينئذ يكون بمنزلة من دخل في الصلاة وهو غير متطهّر يقينا ، فلا تصحّ صلاته وإن كان غافلا حين الصلاة ، ولا تصحّحها قاعدة الفراغ ؛ لأنّها لا تكون حاكمة على الاستصحاب الجاري قبل الدخول في الصلاة.
معنى حجّيّة الاستصحاب
من جملة المناقشات في تعريف الاستصحاب المتقدّم ـ وهو إبقاء ما كان ونحوه ـ ما قاله بعضهم (١) : «إنّه لا شكّ في صحّة وصف الاستصحاب بالحجّة ، مع أنّه لو أريد منه ما يؤدّي معنى الإبقاء ، لا يصحّ وصفه بالحجّة ؛ لأنّه إن أريد منه الإبقاء العمليّ المنسوب إلى المكلّف فواضح عدم صحّة وصفه بالحجّة ؛ لأنّه ليس الإبقاء العمليّ يصحّ أن يكون دليلا على شيء وحجّة فيه. وإن أريد منه الإلزام الشرعيّ فإنّه مدلول الدليل ، لا أنّه دليل على نفسه وحجّة على نفسه ، وكيف يكون دليلا على نفسه وحجّة على نفسه؟! فهو من هذه الجهة شأنه شأن الأحكام التكليفيّة المدلولة للأدلّة».
قلت : نستطيع حلّ هذه الشبهة بالرجوع إلى ما ذكرناه ، من معنى الإبقاء الذي هو مؤدّى الاستصحاب ، وهو أنّ المراد به القاعدة الشرعيّة المجعولة في مقام العمل. فليس المراد منه الإبقاء العمليّ المنسوب إلى المكلّف ، ولا الإلزام الشرعيّ ، فيصحّ وصفه بالحجّة ، ولكن لا بمعنى الحجّة في باب الأمارات ، بل بالمعنى اللغويّ لها ؛ (٢) لأنّه لا معنى لكون قاعدة العمل دليلا على شيء ، مثبتة له ، بل هي الأمر المجعول من قبل الشارع ، فتحتاج إلى إثبات
__________________
(١) وهو المحقّق الأصفهانيّ في نهاية الدراية ٣ : ٧.
(٢) قد مرّ في الجزء الثالث أنّ الحجّة لغة «كلّ شيء يصلح أن يحتجّ به على الغير».
وأمّا : فى اصطلاح الأصوليّين «الحجّة كلّ شيء يكشف عن شيء آخر ، ويحكي عنه على وجه يكون مثبتا له». فمراد المصنّف أنّ الحجّة تطلق على الاستصحاب بالمعنى الأوّل ، لا الثاني.