الاستصحاب
تعريفه
إذا تيقّن المكلّف بحكم أو بموضوع ذي حكم ، ثمّ تزلزل يقينه السابق بأن شكّ في بقاء ما كان قد تيقّن به سابقا ؛ فإنّه بمقتضى ذهاب يقينه السابق يقع المكلّف في حيرة من أمره في مقام العمل ، هل يعمل على وفق ما كان متيقّنا به ـ ولكنّه ربما زال ذلك المتيقّن ، فيقع في مخالفة الواقع ـ أو لا يعمل على وفقه ، فينقضي ذلك اليقين بسبب ما عراه من الشكّ ، ويتحلّل ممّا تيقّن به سابقا ـ ولكنّه ربما كان المتيقّن باقيا على حاله لم يزل ، فيقع في مخالفة الواقع ـ؟ إذن ما ذا تراه صانعا؟
لا شكّ أنّ هذه الحيرة طبيعيّة للمكلّف الشاكّ ، فتحتاج إلى ما يرفعها من مستند شرعيّ ، فإن ثبت بالدليل أنّ القاعدة هي أن يعمل على وفق اليقين السابق وجب الأخذ بها ، ويكون معذورا لو وقع في المخالفة ، وإلاّ فلا بدّ أن يرجع إلى مستند يطمّنه من التحلّل ممّا تيقّن سابقا ، ولو مثل أصل البراءة ، أو الاحتياط.
وقد ثبت لدى الكثير من الأصوليين أنّ القاعدة في ذلك أن يأخذ بالمتيقّن السابق عند الشكّ اللاحق في بقائه ، على اختلاف أقوالهم في شروط جريان هذه القاعدة ، وحدودها على ما سيأتي. وسمّوا هذه القاعدة بـ «الاستصحاب».
وكلمة «الاستصحاب» مأخوذة في أصل اشتقاقها من كلمة «الصحبة» من باب الاستفعال ، فتقول : «استصحبت هذا الشخص» إذا اتّخذته صاحبا مرافقا لك. وتقول : «استصحبت هذا الشيء» إذا حملته معك.
وإنّما صحّ إطلاق هذه الكلمة على هذه القاعدة في اصطلاح الأصوليّين باعتبار أنّ العامل بها يتّخذ ما تيقّن به سابقا صحيبا له إلى الزمان اللاحق في مقام العمل.
وعليه ، فكما يصحّ أن تطلق كلمة «الاستصحاب» على نفس الإبقاء العمليّ من الشخص المكلّف العامل ، كذلك يصحّ إطلاقها على نفس القاعدة لهذا الإبقاء العمليّ ؛ لأنّ القاعدة في الحقيقة إبقاء ، واستصحاب من الشارع حكما.