درس اصول الفقه (۲) مباحث حجت واصول عملیه

جلسه ۴۸: مباحث حجت ۳۰

جواد مروی
استاد
جواد مروی
 
۱

متاسفانه صوت این جلسه موجود نیست

اللغويّ في خصوص الأمور الشرعيّة ، حتى يستكشف من عدم ثبوت ردعه رضاه بهذه السيرة في الأمور الشرعيّة.

٣. إذا انتفى الشرطان المتقدّمان فلا بدّ حينئذ من قيام دليل خاصّ قطعيّ على رضا الشارع وإمضائه للسيرة العمليّة عند العقلاء. وفي مقامنا ليس عندنا هذا الدليل ، بل الآيات الناهية عن اتّباع الظنّ كافية في ثبوت الردع عن هذه السيرة العمليّة.

ثالثا : قيل : «الدليل حكم العقل» ؛ لأنّ العقل يحكم بوجوب رجوع الجاهل إلى العالم ، فلا بدّ أن يحكم الشارع بذلك أيضا ؛ إذ إنّ هذا الحكم العقليّ من الآراء المحمودة التي تطابقت عليها آراء العقلاء ، والشارع منهم ، بل رئيسهم. وبهذا الحكم العقليّ أوجبنا رجوع العاميّ إلى المجتهد في التقليد ، غاية الأمر أنّا اشترطنا في المجتهد شروطا خاصّة ، كالعدالة ، والذكورة ، لدليل خاصّ. وهذا الدليل الخاصّ غير موجود في الرجوع إلى قول اللغويّ ؛ لأنّه في الشئون الفنّيّة لم يحكم العقل إلاّ برجوع الجاهل إلى العالم الموثوق به ، من دون اعتبار عدالة ، أو نحوها ، كالرجوع إلى الأطبّاء والمهندسين. وليس هناك دليل خاصّ يشترط العدالة ، أو نحوها في اللغويّ ، كما ورد في المجتهد.

أقول : وهذا الوجه أقرب الوجوه في إثبات حجّيّة قول اللغويّ ، ولم أجد الآن ما يقدح به.

الظهور التصوريّ والتصديقيّ

قيل : «إنّ الظهور على قسمين : تصوّريّ ، وتصديقيّ.

١. الظهور التصوّريّ الذي ينشأ من وضع اللفظ لمعنى مخصوص ، وهو عبارة عن دلالة مفردات الكلام على معانيها اللغويّة أو العرفيّة. وهو تابع للعلم بالوضع ، سواء كانت في الكلام أو في خارجه قرينة على خلافه أو لم تكن.

٢. الظهور التصديقيّ الذي ينشأ من مجموع الكلام ، وهو عبارة عن دلالة جملة الكلام على ما يتضمّنه من المعنى ، فقد تكون دلالة الجملة مطابقة لدلالة المفردات ، وقد تكون مغايرة لها ، كما إذا احتفّ الكلام بقرينة توجب صرف مفاد جملة الكلام عمّا يقتضيه مفاد

المفردات. والظهور التصديقيّ يتوقّف على فراغ المتكلّم من كلامه ، فإنّ لكلّ متكلّم أن يلحق بكلامه ما شاء من القرائن ، فما دام متشاغلا بالكلام لا ينعقد لكلامه الظهور التصديقيّ.

ويستتبع هذا الظهور التصديقيّ ظهور ثان تصديقيّ ، وهو الظهور بأنّ هذا هو مراد المتكلّم ، وهذا هو المعيّن لمراد المتكلّم في نفس الأمر ، فيتوقّف على عدم القرينة المتّصلة ، والمنفصلة ؛ لأنّ القرينة مطلقا تهدم هذا الظهور ، بخلاف الظهور التصديقيّ الأوّل ؛ فإنّه لا تهدمه القرينة المنفصلة». (١)

أقول : ونحن لا نتعقّل هذا التقسيم ، بل الظهور قسم واحد ، وليس هو إلاّ دلالة اللفظ على مراد المتكلّم. وهذه الدلالة هي التي نسمّيها «الدلالة التصديقيّة» ، وهي أن يلزم من العلم بصدور اللفظ من المتكلّم العلم بمراده من اللفظ ، أو يلزم منه الظنّ بمراده. والأوّل يسمّى «النصّ» ، ويختصّ الثاني باسم «الظهور».

ولا معنى للقول بأنّ اللفظ ظاهر ظهورا تصوّريّا في معناه الموضوع له ، وقد سبق في الجزء الأوّل (٢) بيان حقيقة الدلالة ، وأنّ ما يسمّونه بالدلالة التصوّريّة ليست بدلالة ، وإنّما كان ذلك منهم تسامحا في التعبير ، بل هي من باب تداعي المعاني ، فلا علم ولا ظنّ فيها بمراد المتكلّم ، فلا دلالة ، فلا ظهور ، وإنّما كان خطور. والفرق بعيد بينهما.

وأمّا : تقسيم الظهور التصديقيّ إلى قسمين فهو أيضا تسامح ؛ لأنّه لا يكون الظهور ظهورا إلاّ إذا كشف عن المراد الجدّيّ للمتكلّم ، إمّا على نحو اليقين ، أو الظنّ ، فالقرينة المنفصلة لا محالة تهدم الظهور مطلقا.

نعم ، قبل العلم بها يحصل للمخاطب قطع بدويّ ، أو ظنّ بدويّ ، يزولان عند العلم بها ، فيقال حينئذ : «قد انعقد للكلام ظهور على خلاف ما تقتضيه القرينة المنفصلة». وهذا كلام شائع عند الأصوليّين (٣) ، وفي الحقيقة أنّ غرضهم من ذلك ، الظهور الابتدائيّ البدويّ الذي

__________________

(١) انتهى كلام المحقّق النائينيّ ملخّصا. راجع فوائد الأصول ٣ : ١٣٩ ـ ١٤٠.

(٢) تقدّم في المقصد الأوّل : ٣٧.

(٣) كما تقدّم في المقصد الأوّل : ١٥٥ ـ ١٥٦.

يزول عند العلم بالقرينة المنفصلة ، لا أنّه هناك ظهوران : ظهور لا يزول بالقرينة المنفصلة ، وظهور يزول بها. ولا بأس أن يسمّى هذا الظهور البدويّ «الظهور الذاتيّ». وتسميته بالظهور مسامحة على كلّ حال.

وعلى كلّ حال ـ سواء سمّيت الدلالة التصوّريّة ظهورا أم لم تسمّ ، وسواء سمّي الظنّ البدويّ ظهورا أم لم يسمّ ـ فإنّ موضع الكلام في حجّيّة الظهور هو الظهور الكاشف عن مراد المتكلّم بما هو كاشف ، وإن كان كشفا نوعيّا.

وجه حجّيّة الظهور

إنّ الدليل على حجّيّة الظاهر منحصر في بناء العقلاء. والدليل يتألّف من مقدّمتين قطعيّتين ، على نحو ما تقدّم في الدليل على حجّيّة خبر الواحد من طريق بناء العقلاء. وتفصيلهما هنا أن نقول :

المقدّمة الأولى : أنّه من المقطوع به الذي لا يعتريه الريب أنّ أهل المحاورة من العقلاء قد جرت سيرتهم العمليّة وتبانيهم في محاوراتهم الكلاميّة على اعتماد المتكلّم على ظواهر كلامه في تفهيم مقاصده ، ولا يفرضون عليه أن يأتي بكلام قطعيّ في مطلوبه لا يحتمل الخلاف. وكذلك ـ تبعا لسيرتهم الأولى ـ تبانوا أيضا على العمل بظواهر كلام المتكلّم والأخذ بها في فهم مقاصده ، ولا يحتاجون في ذلك إلى أن يكون كلامه نصّا في مطلوبه لا يحتمل الخلاف.

فلذلك ، يكون الظاهر حجّة للمتكلّم على السامع ، يحاسبه عليه ، ويحتجّ به عليه لو حمله على خلاف الظاهر ، ويكون أيضا حجّة للسامع على المتكلّم ، يحاسبه عليه ، ويحتجّ به عليه لو ادّعى خلاف الظاهر. ومن أجل هذا يؤخذ المرء بظاهر إقراره ، ويدان به (١) وإن لم يكن نصّا في المراد.

المقدّمة الثانية : أنّ من المقطوع به أيضا أنّ الشارع المقدّس لم يخرج في محاوراته واستعماله للألفاظ عن مسلك أهل المحاورة من العقلاء في تفهيم مقاصده ، بدليل أنّ الشارع

__________________

(١) أي يحكم عليه بإقراره.

من العقلاء ، بل رئيسهم ، فهو متّحد المسلك معهم ، ولا مانع من اتّحاده معهم في هذا المسلك ، ولم يثبت من قبله ما يخالفه.

وإذا ثبتت هاتان المقدّمتان القطعيّتان لا محالة يثبت ـ على سبيل الجزم ـ أنّ الظاهر حجّة عند الشارع ، حجّة له على المكلّفين ، وحجّة معذّرة للمكلّفين.

هذا ، ولكن وقعت لبعض الناس شكوك في عموم كلّ من المقدّمتين ، لا بدّ من التعرّض لها ، وكشف الحقيقة فيها.

أمّا المقدّمة الأولى : فقد وقعت عدّة أبحاث فيها :

١ ـ في أنّ تباني العقلاء على حجّيّة الظاهر هل يشترط فيه حصول الظنّ الفعليّ بالمراد؟

٢ ـ في أنّ تبانيهم هل يشترط فيه عدم الظنّ بخلاف الظاهر؟

٣ ـ في أنّ تبانيهم هل يشترط فيه جريان أصالة عدم القرينة؟

٤ ـ في أنّ تبانيهم هل هو مختصّ بمن قصد إفهامه فقط ، أو يعمّ غيرهم ، فيكون الظاهر حجّة مطلقا؟

وأمّا المقدّمة الثانية : فقد وقع البحث فيها في حجّيّة ظواهر الكتاب العزيز ، بل قيل : «إنّ الشارع ردع عن الأخذ بظواهر الكتاب ، فلم يكن متّحد المسلك فيه مع العقلاء» (١). وهذه المقالة منسوبة إلى الأخباريّين. (٢) وعليه ، فينبغي البحث عن كلّ واحد واحد من هذه الأمور ، فنقول :

أ. اشتراط الظنّ الفعليّ بالوفاق

قيل : «لا بدّ في حجّيّة الظاهر من حصول ظنّ فعليّ بمراد المتكلّم ، وإلاّ فهو ليس بظاهر». (٣) يعني أنّ المقوّم لكون الكلام ظاهرا حصول الظنّ الفعليّ للمخاطب بالمراد منه ،

__________________

(١) الفوائد المدنيّة : ١٢٨ ، والدّرر النجفيّة : ١٧٤.

(٢) نسب إليهم في فرائد الأصول ١ : ٥٦.

(٣) هذا ما نسبه الشيخ الأنصاريّ في فرائد الأصول ١ : ٧٢ إلى بعض متأخّري المتأخّرين من معاصريه. وقيل : هو المحقّق الكلباسيّ صاحب الإشارات.