أو المسلمين ، أو علماء طائفة خاصّة ، من دون باقي الناس ، وسائر الأمم؟ إلاّ إذا ثبت من دليل آخر اختصاص المسلمين ، أو بعض منهم بمزيّة خاصّة ليست للأمم الأخرى ، وهي العصمة من الخطأ. فإذن ، ـ على هذا التقدير ـ لا يكون الدليل على الإجماع إلاّ هذا الدليل الذي يثبت العصمة للأمّة المسلمة ، أو بعضها ، لا الطريق العقلي المدّعى. وهذا رجوع إلى المسلك الأوّل والثاني ، وليس هو مسلكا مستقلاّ عنهما.
وبالختام نقول : إذا كانت هذه المسالك الثلاثة لم تتمّ لنا أدلّة على حجّيّة الإجماع من أصله من جهة أنّه إجماع فلا يظهر للإجماع قيمة من ناحية كونه حجّة ، ومصدرا للتشريع الإسلاميّ مهما بالغ الناس في الاعتماد عليه. وإنّما يصحّ الاعتماد عليه إذا كشف لنا عن قول المعصوم ، فيكون حينئذ كالخبر المتواتر الذي تثبت به السنّة. وسيأتي البحث عن ذلك. (١)
وأمّا السؤال الثاني :
فالذي يثيره أنّ ظاهر تلك المسالك الثلاثة المتقدّمة يقضي بأنّ الحجّة إنّما هو إجماع الأمّة كلّها ، أو جميع المؤمنين بدون استثناء ، فمتى ما شذّ واحد منهم ـ أيّ [مخالف] كان ـ فلا يتحقّق الإجماع الذي قام الدليل على حجّيّته ؛ فإنّه مع وجود المخالف ـ وإن كان واحدا ـ لا يحصل القطع بحجّيّة إجماع من عداه مهما كان شأنهم ؛ لأنّ العصمة ـ على تقدير ثبوتها بالأدلّة المتقدّمة ـ إنّما ثبتت لجميع الأمّة ، لا لبعضها.
ولكن ما توقّعوه من ذهابهم إلى حجّيّة الإجماع ـ وهو إثبات شرعيّة بيعة أبي بكر ـ لم يحصل لهم ؛ لأنّه قد ثبتت من طريق التواتر مخالفة عليّ عليهالسلام وجماعة كبيرة من بني هاشم وباقي المسلمين ، ولئن التجأ أكثرهم بعد ذلك إلى البيعة ، فإنّه بقي منهم من لم يبايع حتى مات ، مثل سعد بن عبادة (قتيل الجنّ!).
ولأجل هذه المفارقة بين أدلّة الإجماع وواقعه الذي أرادوا تصحيحه كثرت الأقوال
__________________
(١) يأتي في الصفحة : ٤٩١.