الرابع (مبحث الاستصحاب) (١) فقلنا : إنّ هذه الآيات غير صالحة للردع عن الاستصحاب الذي جرت سيرة العقلاء على الأخذ به ؛ لأنّ المقصود من النهي عن اتّباع غير العلم النهي عنه إذ يراد به إثبات الواقع ، كقوله (تعالى) : ﴿إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾ (٢) ، بينما أنّه ليس المقصود من الاستصحاب إثبات الواقع والحقّ ، بل هو أصل وقاعدة عمليّة يرجع إليها في مقام العمل عند الشكّ في الواقع والحقّ. فيخرج الاستصحاب عن عموم هذه الآيات موضوعا.
وهذا العلاج ـ طبعا ـ لا يجري في مثل خبر الواحد ؛ لأنّ المقصود به كسائر الأمارات الأخرى إثبات الواقع وتحصيل الحقّ.
ولكن مع ذلك نقول : إنّ خبر الواحد خارج عن عموم هذه الآيات تخصّصا ، كالظواهر التي حجّيّتها أيضا مستندة إلى بناء العقلاء على ما سيأتي (٣).
وذلك بأن يقال ـ حسبما أفاده أستاذنا المحقّق الاصفهانيّ قدسسره في حاشيته على الكفاية ـ : «إنّ لسان النهي عن اتّباع الظنّ ، وأنّه لا يغني من الحقّ شيئا ليس لسان التعبّد بأمر على خلاف الطريقة العقلائيّة ، بل من باب إيكال الأمر إلى عقل المكلّف من جهة أنّ الظنّ بما هو ظنّ لا مسوّغ للاعتماد عليه والركون إليه ، فلا نظر [في الآيات الناهية] إلى ما استقرّت عليه سيرة العقلاء بما هم عقلاء على اتّباعه من حيث كونه خبر الثقة. ولذا كان الرواة يسألون عن وثاقة الراوي للفراغ عن لزوم اتّباع روايته بعد فرض وثاقته». (٤)
أو يقال ـ حسبما أفاده شيخنا النائينيّ قدسسره على ما في تقريرات الكاظمي قدسسره ـ : «إنّ الآيات الناهية عن العمل بالظنّ لا تشمل خبر الثقة [حتى يتوهّم أنّها تكفي للردع عن الطريقة العقلائية] (٥) ؛ لأنّ العمل بخبر الثقة في طريقة العقلاء ليس من العمل بما وراء العلم ، بل هو من أفراد العمل بالعلم ؛ لعدم التفات العقلاء إلى مخالفة الخبر للواقع ؛ لما قد جرت على ذلك
__________________
(١) يأتي في الصفحة : ٦١٩.
(٢) النجم (٥٣) الآية ٢٨ ، يونس (١٠) الآية : ٣٦.
(٣) يأتي في الصفحة : ٤٩٢.
(٤) نهاية الدراية ٣ : ٣٦.
(٥) ما بين المعقوفين موجود في المصدر.