فتلخّص ممّا ذكرنا : أنّ إطلاقات التخيير محكّمة ، وليس في الأخبار ما يصلح لتقييدها.
[الاستدلال على وجوب الترجيح ، وما فيه]
نعم قد استدلّ على تقييدها ووجوب الترجيح في المتفاضلين بوجوه أخر :
منها : دعوى الإجماع على الأخذ بأقوى الدليلين (١).
وفيه : أنّ دعوى الإجماع ـ مع مصير مثل الكلينيّ إلى التخيير ، وهو في عهد الغيبة الصغرى ، ويخالط النوّاب والسفراء ، قال في ديباجة الكافي : «ولا نجد شيئا أوسع ولا أحوط من التخيير» (٢) ـ مجازفة.
ومنها : أنّه لو لم يجب ترجيح ذي المزيّة لزم ترجيح المرجوح على الراجح ، وهو قبيح عقلا ، بل ممتنع قطعا (٣).
__________________
(١) فرائد الاصول ٤ : ٤٨.
(٢) الكافي ١ : ٩.
ولا يخفى : أنّ في ما نسبه المصنّف رحمهالله إلى الكلينيّ من مصيره إلى التخيير مطلقا نظر ، بل يظهر من بعض كلماته القول بالترجيح ببعض المرجّحات ، فإنّه قال : «فاعلم يا أخي! أرشدك الله أنّه لا يسع أحدا تمييز شيء ممّا اختلفت الرواية فيه عن العلماء عليهمالسلام» برأيه ، إلّا ما أطلقه العالم بقوله عليهالسلام : «فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله عزوجل فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه» ، وقوله عليهالسلام : «دعوا ما وافق القوم ، فإنّ الرشد في خلافهم» ، وقوله عليهالسلام : «خذوا بالمجمع عليه ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه». ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلّا أقلّه ، ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليهالسلام وقبول ما وسع الأمر فيه بقوله عليهالسلام : «بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم» ...» الكافي ١ : ٨ ـ ٩.
وأنت خبير بأنّه سلّم الترجيح بالإجماع وموافقة الكتاب ومخالفة العامّة. ولكن اعترف بقلّة الموارد الّتي نعرف فيها وجود تلك المرجّحات.
(٣) هذا الدليل نسبه السيّد الطباطبائيّ إلى النهاية والتهذيب والمبادئ والمنية وغاية البادئ.
راجع مفاتيح الاصول : ٦٨٧.