فلا بأس بأخذه والعمل عليه ، لما أشرنا إليه من وجهه آنفا ، فافهم.
هذا هو قضيّة القاعدة في تعارض الأمارات ، لا الجمع بينها بالتصرّف في أحد المتعارضين أو في كليهما ، كما هو (١) قضيّة ما يتراءى ممّا قيل (٢) من «أنّ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح» ، إذ لا دليل عليه فيما لا يساعد عليه العرف ممّا كان المجموع (٣) أو أحدهما قرينة عرفيّة على التصرّف في أحدهما بعينه أو فيهما ، كما عرفته في الصور السابقة ؛ مع أنّ في الجمع كذلك أيضا طرحا للأمارة أو الأمارتين ، ضرورة سقوط أصالة الظهور في أحدهما أو كليهما معه.
وقد عرفت (٤) أنّ التعارض بين الظهورين فيما كان سنداهما قطعيّين ، وفي السندين إذا كانا ظنّيين. وقد عرفت (٥) أنّ قضيّة التعارض إنّما هي سقوط المتعارضين في خصوص كلّ ما يؤدّيان إليه من الحكمين ، لا بقاؤهما على الحجّيّة بما يتصرّف فيهما أو في أحدهما ، أو بقاء سنديهما عليها كذلك بلا دليل يساعد عليه من عقل أو نقل.
فلا يبعد أن يكون المراد ، من إمكان الجمع هو إمكانه عرفا. ولا ينافيه الحكم بأنّه أولى مع لزومه حينئذ وتعيّنه ، فإنّ أولويّته ، من قبيل الأولويّة في اولي الأرحام ، وعليه لا إشكال فيه ولا كلام.
__________________
(١) أي : الجمع بينهما.
(٢) والقائل هو ابن أبي جمهور الأحسائيّ في عوالي اللآلي ٤ : ١٣٦ ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٣٩.
(٣) لا يخفى : أنّ مقتضى سياق عبارة المصنّف رحمهالله أنّ قوله : «ممّا كان المجموع» بيان ل «ما» الموصولة في قوله : «فيما لا يساعد». مع أنّه ليس كذلك ، لأنّ كون المجموع أو أحدهما قرينة عرفيّة على التصرّف ممّا يساعد عليه العرف ، لا ممّا لا يساعد عليه العرف. فالصواب أن يقول : «إذ لا دليل عليه إلّا فيما يساعد عليه العرف ممّا كان المجموع ...».
(٤) لم يذكر المصنّف رحمهالله في الفصل السابق حكم تعارض الدليلين فيما كان سنداهما قطعيّين.
(٥) في أوّل هذا الفصل ، حيث قال : «لم يكن واحد منهما بحجّة في خصوص مؤدّاه».