وأمّا لو كان المقتضي للحجّيّة في كلّ واحد من المتعارضين لكان التعارض بينهما من تزاحم الواجبين فيما إذا كانا مؤدّيين إلى وجوب الضدّين (١) أو لزوم المتناقضين (٢) ، لا فيما إذا كان مؤدّى أحدهما حكما غير إلزاميّ ، فإنّه حينئذ لا يزاحم الآخر ، ضرورة عدم صلاحيّة ما لا اقتضاء فيه أن يزاحم به ما فيه الاقتضاء.
إلّا أن يقال : بأنّ قضيّة اعتبار دليل غير الإلزاميّ أن يكون عن اقتضاء ، فيزاحم به(٣) حينئذ ما يقتضي الإلزاميّ ، ويحكم فعلا بغير الإلزاميّ ، ولا يزاحم بمقتضيه ما يقتضي غير الإلزاميّ ، لكفاية عدم تماميّة علّة الإلزاميّ في الحكم بغيره.
نعم ، يكون باب التعارض من باب التزاحم مطلقا لو كان قضيّة الاعتبار هي لزوم البناء والالتزام بما يؤدّي إليه من الأحكام ، لا مجرّد العمل على وفقه بلا لزوم الالتزام به.
وكونهما من تزاحم الواجبين حينئذ وإن كان واضحا ، ضرورة عدم إمكان الالتزام بحكمين في موضوع واحد من الأحكام ، إلّا أنّه لا دليل نقلا ولا عقلا على الموافقة الالتزاميّة للأحكام الواقعيّة فضلا عن الظاهريّة ، كما مرّ تحقيقه (٤).
وحكم التعارض بناء على السببيّة فيما كان من باب التزاحم هو التخيير لو لم يكن أحدهما معلوم الأهمّيّة أو محتملها في الجملة ، حسبما فصّلناه في مسألة الضدّ (٥) ، وإلّا فالتعيين. وفيما لم يكن من باب التزاحم هو لزوم الأخذ بما دلّ على الحكم الإلزاميّ لو لم يكن في الآخر مقتضيا (٦) لغير الإلزاميّ (٧) ، وإلّا
__________________
(١) كما إذا دلّ أحد الدليلين على وجوب إزالة النجاسة عن المسجد ، والآخر على وجوب الصلاة.
(٢) كما إذا دلّ أحد الدليلين على حرمة ذبيحة الكتابي ، والآخر على حلّيّتها.
(٣) أي : بغير الإلزاميّ.
(٤) راجع الجزء الثاني : ٢٥٧.
(٥) لا يخفى : أنّه لم يقدّم منه في مسألة الضدّ تفصيل ولا إجمال بالنسبة إلى تقديم محتمل الأهمّيّة.
(٦) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «لو لم يكن في الآخر مقتض ...».
(٧) وفي بعض النسخ : «للغير الإلزاميّ».