لا يقال : إنّ الزمان لا محالة يكون من قيود الموضوع وإن اخذ ظرفا لثبوت الحكم في دليله ، ضرورة دخل مثل الزمان فيما هو المناط لثبوته ، فلا مجال إلّا لاستصحاب عدمه.
فإنّه يقال : نعم ، لو كانت العبرة في تعيين الموضوع بالدقّة ونظر العقل ؛ وأمّا إذا كانت العبرة بنظر العرف فلا شبهة في أنّ الفعل بهذا النظر موضوع واحد في الزمانين ، قطع بثبوت الحكم له في الزمان الأوّل ، وشكّ في بقاء هذا الحكم له وارتفاعه في الزمان الثاني ، فلا يكون مجال إلّا لاستصحاب ثبوته.
لا يقال : فاستصحاب كلّ واحد من الثبوت والعدم يجري ، لثبوت كلا النظرين (١) ، ويقع التعارض بين الاستصحابين ، كما قيل (٢).
فإنّه يقال : إنّما يكون ذلك لو كان في الدليل (٣) ما بمفهومه يعمّ النظرين ، وإلّا فلا يكاد يصحّ (٤) إلّا إذا سيق بأحدهما ، لعدم إمكان الجمع بينهما ، لكمال المنافاة بينهما (٥) ، ولا يكون في أخبار الباب ما بمفهومه يعمّهما ، فلا يكون هناك إلّا استصحاب واحد ، وهو استصحاب الثبوت فيما إذا اخذ الزمان ظرفا ، واستصحاب العدم فيما إذا اخذ قيدا ، لما عرفت من أنّ العبرة في هذا الباب بالنظر العرفيّ.
ولا شبهة في أنّ الفعل فيما بعد ذاك الوقت معه قبله (٦) متّحد في الأوّل (٧) ومتعدّد في الثاني (٨) بحسبه (٩) ، ضرورة أنّ الفعل المقيّد بزمان خاصّ غير الفعل
__________________
(١) أي : نظر العرف ونظر العقل.
(٢) والقائل هو المحقّق النراقيّ في مناهج الأحكام والاصول : ٢٣٧ ـ ٢٣٨.
(٣) أي : دليل الاستصحاب.
(٤) أي : فلا يكاد يصحّ جريان الاستصحاب.
(٥) فإنّه بناء على القيديّة لا يكون رفع اليد عن الحكم بعد ذلك الزمان نقضا للحكم السابق ، وبناء على الظرفيّة يكون رفع اليد عنه بعد ذلك الزمان نقضا له ، فلا يمكن الجمع بينهما.
(٦) وفي بعض النسخ : «مع قبله». والضمير في قوله : «قبله» يرجع إلى ما بعد ذلك الوقت.
والأولى أن يقول : «معه في ذلك الوقت».
(٧) أي : فيما إذا اخذ الزمان ظرفا.
(٨) أي : فيما إذا اخذ الزمان قيدا.
(٩) أي : بحسب العرف.