وأمّا النحو الثالث : فهو كالحجّيّة والقضاوة والولاية والنيابة والحرّيّة والرقّيّة والزوجيّة والملكيّة إلى غير ذلك ، حيث إنّها وإن كان من الممكن انتزاعها من الأحكام التكليفيّة الّتي تكون في مواردها ـ كما قيل ـ ومن جعلها بإنشاء أنفسها (١) ، إلّا أنّه لا يكاد يشكّ في صحّة انتزاعها من مجرّد جعله «تعالى» أو من بيده الأمر من قبله «جلّ وعلا» لها بإنشائها بحيث يترتّب عليها آثارها ، كما تشهد به ضرورة صحّة انتزاع الملكيّة والزوجيّة والطلاق والعتاق بمجرّد العقد أو الإيقاع ممّن بيده الاختيار بلا ملاحظة التكاليف والآثار ، ولو كانت منتزعة عنها لما كاد يصحّ اعتبارها إلّا بملاحظتها ، وللزم أن لا يقع ما قصد ، ووقع ما لم يقصد (٢).
كما لا ينبغي أن يشكّ في عدم صحّة انتزاعها عن مجرّد التكليف في موردها ، فلا ينتزع الملكيّة عن إباحة التصرّفات ، ولا الزوجيّة من جواز الوطء ، وهكذا
__________________
ـ تعلّق الأمر بالصلاة المشروطة بالطهارة تكون شرطيّة الطهارة منتزعة عن تقيّد الصلاة بالطهارة ، وهو سابق على الأمر بها ، كما أنّ مقدّميّة المقدّمة سابقة على التكليف ؛ نعم ، كون الطهارة شرطا للواجب منتزع عن الأمر به ، لا أصل شرطيّتها ، كما أنّ كون إكرام العالم الواجب الاحترام إكراما لا يرتبط بالأمر ، بل هو إكرام في نفسه ، لكن كونه إكراما لمن يجب احترامه ينتزع عن الأمر باحترامه. نهاية الأفكار ٤ : ٩١ ـ ٩٤.
(١) تعريض بالشيخ الأعظم الأنصاريّ ، حيث ذهب ـ تبعا لبعض آخر من المحقّقين ـ إلى أنّ مثل هذه الامور منتزع عن الحكم التكليفيّ ، فالزوجيّة ـ مثلا ـ منتزعة عن جواز المباشرة والنظر واللمس ، والملكيّة منتزعة عن كون الشيء بحيث يجوز الانتفاع به وبعوضه. راجع فرائد الاصول ٣ : ١٢٥ ـ ١٣٠.
والمراد من قوله : «كما قيل» هو من ذكره الشيخ الأعظم ، فقال : «المشهور ـ كما في شرح الزبدة ـ ، بل الّذي استقرّ عليه رأي المحقّقين ـ كما في شرح الوافية للسيّد صدر الدين ـ أنّ الخطاب الوضعيّ مرجعه إلى الخطاب الشرعيّ ...». راجع فرائد الاصول ٣ : ١٢٥ ، غاية المأمول في شرح زبدة الاصول (مخطوط) : ٥٩ ، شرح الوافية (مخطوط) : ٣٥٠.
(٢) توضيحه : أنّ البائع ـ مثلا ـ انّما يقصد بإنشاء البيع وقوع التمليك ، فإذا لم تترتّب الملكيّة على قصده ، بل ترتّب التكليف الّذي ينتزع عنه الملكيّة ، يلزم عنه أن يقع ما لم يقصد وأن يقصد ما لم يقع.