المأمور (١).
واخرى بأنّ حصول المصلحة واللطف في العبادات لا يكاد يكون إلّا بإتيانها على وجه الامتثال (٢) ، وحينئذ كان لاحتمال اعتبار معرفة أجزائها تفصيلا ليؤتى بها مع قصد الوجه مجال ، ومعه (٣) لا يكاد يقطع بحصول اللطف والمصلحة الداعية إلى الأمر (٤) ، فلم يبق إلّا التخلّص عن تبعة مخالفته بإتيان ما علم تعلّقه به ، فإنّه واجب عقلا وإن لم يكن في المأمور به مصلحة ولطف رأسا ، لتنجّزه بالعلم به إجمالا. وأمّا الزائد عليه ـ لو كان ـ فلا تبعة على مخالفته من جهته ، فإنّ العقوبة عليه بلا بيان (٥).
وذلك (٦) ضرورة أنّ حكم العقل بالبراءة ـ على مذهب الأشعريّ ـ لا يجدي من ذهب إلى ما عليه المشهور من العدليّة ، بل من ذهب إلى ما عليه غير المشهور ، لاحتمال أن يكون الداعي إلى الأمر ومصلحته على هذا المذهب (٧) أيضا هو
__________________
(١) ومن القائلين بأنّ المصلحة تكون في نفس الأمر هو صاحب الفصول في الفصول الغرويّة : ٣٣٧ ـ ٣٣٨.
وهذا هو الجواب الأوّل. وحاصله : أنّ مسألة البراءة والاحتياط ليست مبنيّة على مذهب مشهور العدليّة من تبعيّة الأوامر والنواهي للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها كي يقال بأنّ في إحراز حصول الغرض لا بدّ من إحراز إطاعة الأمر المتوقّف على إتيان الأكثر ، بل الكلام في جريان البراءة وعدمه في المقام عامّ ، فيمكن البحث عن المسألة والتكلّم فيها على مذهب بعض العدليّة من أنّ وجود المصلحة في نفس الأمر يكفي في صدور الأمر من المولى ، كالأوامر الامتحانيّة ، أو على مذهب الأشاعرة من عدم التبعيّة أصلا ولو في نفس الأمر.
(٢) ولذا لو أتى بها لا على وجه الامتثال لم يترتّب عليه لطف.
(٣) أي : ومع احتمال اعتبار معرفة الأجزاء.
(٤) لأنّ المفروض عدم العلم التفصيليّ بأجزائها.
(٥) انتهى ما أجاب به الشيخ الأعظم الأنصاريّ عن الاستدلال بالغرض على وجوب الاحتياط عقلا.
(٦) أي : عدم الوجه للتفصّي عن الاستدلال بالغرض بالوجهين المذكورين.
(٧) أي : مذهب غير المشهور من العدليّة ، وهو كون المصلحة في نفس الأمر دون المأمور به.