[التقرير الثاني : أصالة الحظر]
وربما استدلّ (١) بما قيل (٢) من استقلال العقل بالحظر في الأفعال الغير الضروريّة قبل الشرع ، ولا أقلّ من الوقف وعدم استقلاله (٣) ، لا به ولا بالإباحة ، ولم يثبت شرعا إباحة ما اشتبه حرمته ، فإنّ ما دلّ على الإباحة معارض بما دلّ على وجوب التوقّف أو الاحتياط.
وفيه : أوّلا : أنّه لا وجه للاستدلال بما هو محلّ الخلاف والإشكال (٤) ، وإلّا لصحّ الاستدلال على البراءة بما قيل من كون تلك الأفعال على الإباحة.
وثانيا : أنّه ثبتت الإباحة شرعا ، لما عرفت من عدم صلاحيّة ما دلّ على
__________________
ـ البراءة في الطرف الآخر.
ثمّ لا يخفى : أنّ السيّد المحقّق الخوئيّ أورد على ما ذكره المصنّف قدسسره من المثال. وذلك لوجود الفرق بين المقام وبين المثال المذكور ، إذ المعلوم بالإجمال في المثال أمر معيّن خاصّ ، فقيام الأمارة على تعيينه في طرف ينفي كونه في الطرف الآخر. بخلاف المقام ، فإنّ المعلوم بالإجمال فيه أحكام لا تعيّن لها بوجه ، وليس لها عنوان وعلامة ، فقيام الأمارة على ثبوت التكليف في بعض الموارد لا ينفي ثبوته في غيرها.
ثمّ أجاب عن الاستدلال بوجهين : (أحدهما) : النقض بالشبهات الوجوبيّة والموضوعيّة ، فإنّ هذا العلم لو كان مانعا عن الرجوع إلى البراءة في الشبهات الحكميّة التحريميّة كان مانعا عن الرجوع إليها فيها أيضا ، مع أنّ الأخباريّين لا يقولون بوجوب الاحتياط فيها. و (ثانيهما) : أنّ العلم الإجماليّ بالتكاليف الواقعيّة ينحلّ واقعا بقيام الأمارات على تكاليف الزاميّة بمقدار المعلوم بالإجمال. مصباح الاصول ٢ : ٣٠٤ ـ ٣٠٨.
(١) هذا الدليل ذكره الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ٢ : ٩٠.
(٢) نسبه الشيخ والمحقّق إلى طائفة من الإماميّة. راجع العدّة ٢ : ٧٤٢ ، معارج الاصول : ٢٠٣.
(٣) كما عليه الشيخان : المفيد والطوسيّ. راجع التذكرة باصول الفقه : ٤٣ ، والعدّة ٢ : ٧٤٢.
(٤) فإنّ هذه المسألة محلّ الخلاف ومعركة الآراء ، كما قال الشيخ في العدّة : «وذهب كثير من البغداديّين وطائفة من أصحابنا الإماميّة إلى أنّها على الحظر ، ووافقهم على ذلك جماعة من الفقهاء. وذهب أكثر المتكلّمين من البصريّين ـ وهي المحكيّ عن أبي الحسن وكثير من الفقهاء ـ إلى أنّها على الإباحة ، وهو الّذي يختاره سيّدنا المرتضى. وذهب كثير من الناس إلى أنّها على الوقف». العدّة ٢ : ٧٤٢.