قلت : قضيّة الاعتبار شرعا على اختلاف ألسنة أدلّته وإن كانت ذلك (١) ـ على ما قوّينا في البحث (٢) ـ ، إلّا أنّ نهوض الحجّة على ما ينطبق عليه المعلوم بالإجمال في بعض الأطراف ، يكون عقلا بحكم الانحلال وصرف تنجّزه إلى ما إذا كان في ذاك الطرف ، والعذر عمّا إذا كان في سائر الأطراف ؛ مثلا : إذا علم إجمالا بحرمة إناء زيد بين الإنائين ، وقامت البيّنة على أنّ هذا إناؤه ، فلا ينبغي الشكّ في أنّه (٣) كما إذا علم أنّه إناؤه في عدم لزوم الاجتناب إلّا عن خصوصه دون الآخر. ولو لا ذلك لما كان يجدي القول بأنّ قضيّة اعتبار الأمارات هي كون المؤدّيات أحكاما شرعيّة فعليّة ، ضرورة أنّها تكون كذلك بسبب حادث ، وهو كونها مؤدّيات الأمارات الشرعيّة.
هذا إذا لم يعلم بثبوت التكاليف الواقعيّة في موارد الطرق المثبتة بمقدار
__________________
ـ إلى الواقع وكاشفا عنه ، فيترتّب عليها ما يترتّب على الطريق المعتبر من أنّها منجّزة للواقع فيما إذا أصابته ومعذّرة للمكلّف في مخالفته فيما إذا أخطأته.
وذهب المصنّف قدسسره إلى الثاني.
إذا عرفت هذه المقدّمة ، فيقال ـ إيرادا على المصنّف قدسسره ـ : أنّ الظاهر من كلامه أنّه ادّعى الانحلال الحقيقيّ في المقام ، بمعنى أنّ التتبّع في موارد الطرق والاصول يوجب العلم الإجماليّ بوجود تكاليف واقعيّة فعليّة تؤدّيها الأمارات والاصول ، وهي بمقدار يحتمل انطباقها على الأحكام الواقعيّة المعلومة بالعلم الإجماليّ الكبير ، فينحلّ العلم الإجماليّ الكبير بالعلم الإجماليّ الصغير ، بل يكشف بالعلم الإجماليّ الصغير عدم تعلّق العلم الإجماليّ الكبير بالتكاليف الواقعيّة من أوّل الأمر. وأنت خبير بأنّ دعوى هذا الانحلال إنّما يصحّ على القول بحجّيّة الأمارات على نحو السببيّة ، حيث أنّ مؤدّاها حينئذ تكاليف حقيقيّة فعليّة ، فيحتمل انطباق الأحكام الواقعيّة المعلومة بالعلم الإجماليّ الكبير على تلك المؤدّيات. وأمّا على القول بحجّيّتها على نحو الطريقيّة وأنّ المجعول هو المنجّزيّة والمعذّريّة ـ كما عليه المصنّف قدسسره ـ فلا يتمّ ما ذكر ، لعدم كون مؤدّاها تكاليف حقيقيّة فعليّة كي يدّعى احتمال انطباق الأحكام الواقعيّة المعلومة ثبوتها بالعلم الإجماليّ الكبير عليها.
(١) وفي بعض النسخ : «وإن كان ذلك». والصحيح ما أثبتناه. والمشار إليه بقوله : «ذلك» هو ترتيب التنجّز والتعذير.
(٢) من حجّيّة الأمارات على نحو الطريقيّة.
(٣) أي : قيام البيّنة