مع أنّ هناك قرائن دالّة على أنّه (١) للإرشاد (٢) ، فيختلف إيجابا واستحبابا حسب اختلاف ما يرشد إليه.
ويؤيّده أنّه لو لم يكن للإرشاد لوجب تخصيصه لا محالة ببعض الشبهات إجماعا ، مع أنّه آب عن التخصيص قطعا ؛ كيف لا يكون قوله : «قف عند الشبهة ، فإنّ الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في المهلكة» (٣) للإرشاد! مع أنّ المهلكة ظاهرة في العقوبة ، ولا عقوبة في الشبهة البدويّة قبل إيجاب الوقوف والاحتياط ، فكيف يعلّل إيجابه بأنّه خير من الاقتحام في المهلكة؟! (٤).
__________________
(١) أي : الأمر بالتوقّف والاحتياط.
(٢) والقرائن الدالّة عليه كثيرة :
منها : أنّه لو لم يكن الأمر للإرشاد يلزم تخصيص الأكثر ، ضرورة أنّ موضوع الأمر بالتوقّف والاحتياط هو عنوان «الشبهة» ، وهو يصدق على كلّ شبهة. فإذا حملنا الأمر بالاحتياط على ظاهره من الأمر المولويّ اللزوميّ يستلزم شموله بظاهره للشبهات مطلقا. ومن المعلوم أنّ جريان البراءة في غير الشبهة الحكميّة التحريميّة من المتّفق عليه بين الأخباريّ والاصوليّ ، فيخصّص الأمر بالاحتياط بالشبهة الحكميّة الوجوبيّة والشبهة الموضوعيّة بكلا قسميه ، فيلزم حينئذ تخصيص الأكثر ، وهو مستهجن.
ومنها : بيان حكمة طلب التوقّف في بعض الروايات من أنّه سبب للتحرّز عن المحذور.
ومنها : ظهور قوله عليهالسلام : «فمن ارتكب الشبهات وقع في المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم» في ترتّب الهلكة على ارتكاب الشبهة ، لا على مخالفة الأمر بالتوقّف.
ومنها : ما أشار إليه في المتن من إباء سياق الروايات من التخصيص.
(٣) هذا مضمون الرواية. وإليك نصّها : عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «لا تجامعوا في النكاح على الشبهة ، وقفوا عند الشبهة ... فإنّ الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة». وسائل الشيعة ١٨ : ١١٦ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٥.
(٤) فإنّ الهلكة ـ وهي علّة لإيجاب الاحتياط ـ مقدّمة عليها رتبة ، فإذا ترتّبت الهلكة على إيجاب الاحتياط ـ بدعوى ترتّبها على تركه ـ كانت مؤخّرة عنه ، فيلزم أن يكون كلّ منهما مقدّما على صاحبه ومؤخّرا عنه في آن واحد ، وهو محال. فلا بدّ من القول بعدم ترتّبها على الأمر بالتوقّف والاحتياط ، وإذا لم تترتّب عليه كان للإرشاد.