البين قطعا ولو لم يجتنب عمّا يلاقيه ، فإنّه على تقدير نجاسته لنجاسته كان فردا آخر من النجس قد شكّ في وجوده ، كشيء آخر شكّ في نجاسته بسبب آخر (١).
ومنه ظهر : أنّه لا مجال لتوهّم أنّ قضيّة تنجّز الاجتناب عن المعلوم هي الاجتناب عنه أيضا ، ضرورة أنّ العلم به إنّما يوجب تنجّز الاجتناب عنه ، لا تنجّز الاجتناب عن فرد آخر لم يعلم حدوثه ، وإن احتمل (٢).
واخرى يجب الاجتناب عمّا لاقاه دونه (٣) فيما لو علم إجمالا بنجاسته (٤) أو
__________________
(١) والحاصل : أنّه إذا علم إجمالا بنجاسة أحد المائعين المفروض أحدهما في ظرف أبيض والآخر في ظرف أحمر ، ثمّ علم بملاقاة ثوب لما في الأبيض ـ مثلا ـ. فحينئذ وجب الاجتناب عن الملاقى (ما في الأبيض) دون الملاقي (الثوب) ، لأنّ الملاقي (الثوب) على تقدير نجاسته بسبب نجاسة الملاقى (المائع) يكون فردا آخر من أفراد النجس قد شكّ في نجاسته ، كما يشكّ في نجاسة فرد آخر بسبب آخر غير الملاقاة ، فكما لا يجب الاجتناب عن الفرد المشكوك النجاسة بسبب آخر كذلك لا يجب الاجتناب عن الملاقي (الثوب). وأمّا وجوب الاجتناب عن الملاقى فلأنّ المفروض فعليّة التكليف المعلوم بالإجمال بالنسبة إليه.
(٢) والحاصل : أنّ هاهنا وهم ودفع :
محصّل الوهم : أنّه كما يجب الاجتناب عن الملاقى يجب الاجتناب عن الملاقي (الثوب). والوجه في ذلك أنّ الملاقي من شئون الملاقى ، فيكون الاجتناب عن الملاقي من شئون الاجتناب عن الملاقى ، وحينئذ يكون تنجّز الاجتناب عن الملاقى مقتضيا لتنجّز الاجتناب عن الملاقي.
ومحصّل الدفع : أنّ الموجب لتنجّز الاجتناب هو العلم التفصيليّ أو الإجماليّ بنجاسة الشيء. ولا شكّ في أنّ العلم الإجماليّ انّما يتعلّق بنجاسة أحد ما في الأبيض أو الأحمر. والملاقي لأحدهما فرد من النجس إذا كان الملاقى نجسا واقعا ، وليس بفرد له إذا كان الملاقى طاهرا واقعا. وبما أنّ الملاقاة بعد العلم الإجماليّ بأنّ النجس بينهما فلا يشمل العلم الإجماليّ هذا الفرد الّذي حدوثه غير معلوم ، بل لا يكون في البين إلّا مجرّد الاحتمال. وحينئذ فالعلم إجمالا بنجاسة أحد المائعين واقعا انّما يوجب تنجّز الاجتناب عن المعلوم ـ وهو المائعان ـ ، لا تنجّز الاجتناب عن فرد آخر لم يعلم حدوثه ـ وهو الملاقى ـ.
(٣) أي : يجب الاجتناب عن الملاقي (الثوب) دون الملاقى (المائع المردّد).
(٤) أي : نجاسة ما لاقاه (الملاقي).