فإنّه يقال : حيث أنّه بذاك اختصّ بما لم يعلم (١) ورود النهي عنه أصلا ، ولا يكاد يعمّ ما إذا ورد النهي عنه في زمان وإباحته في آخر (٢) واشتبها من حيث التقدّم والتأخّر.
لا يقال : هذا لو لا عدم الفصل بين أفراد ما اشتبهت حرمته.
فإنّه يقال : وإن لم يكن بينها الفصل ، إلّا أنّه إنّما يجدي فيما كان المثبت للحكم بالإباحة في بعضها الدليل لا الأصل ، فافهم.
[الدليل الثالث : الإجماع]
وأمّا «الإجماع» : فقد نقل على البراءة (٣). إلّا أنّه موهون ولو قيل باعتبار الإجماع المنقول في الجملة ، فإنّ تحصيله في مثل هذه المسألة ـ ممّا للعقل إليه سبيل ومن واضح النقل عليه دليل ـ بعيد جدّا (٤).
[الدليل الرابع : العقل]
وأمّا «العقل» : فإنّه قد استقلّ بقبح العقوبة والمؤاخذة على مخالفة التكليف المجهول بعد الفحص واليأس عن الظفر بما كان حجّة عليه ، فإنّهما بدونها (٥) عقاب بلا بيان (٦) ومؤاخذة بلا برهان ، وهما قبيحان بشهادة الوجدان (٧).
__________________
(١) وفي بعض النسخ : «لاختصّ بما لم يعلم». والصحيح ما أثبتناه ، فإنّ دخول اللام على جواب «حيث» المتضمّن لمعنى الشرط غير معهود.
(٢) وفي بعض النسخ : «وإباحة في آخر». والأولى ما أثبتناه.
(٣) راجع فرائد الاصول ٢ : ٥٠.
(٤) ويمكن أن يقال أيضا : أنّه لو فرض تحصيل الإجماع فلا يمكن الركون إليه ، لأنّه إجماع مدركيّ ، فلا يكون دليلا مستقلّا.
(٥) أي : العقوبة والمؤاخذة بدون الحجّة.
(٦) أي : بلا بيان واصل.
(٧) أي : بشهادة العقل.
والسرّ في حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان أحد الامور التالية :
الأوّل : أنّ حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان لأجل أنّ فوات مطلوب المولى ومراده ـ