تكلّف ، بل تعسّف ، فإنّه لا يكاد يصحّ تنزيل جزء الموضوع أو قيده بما هو كذلك ، بلحاظ أثره ، إلّا فيما كان جزؤه الآخر أو ذاته محرزا بالوجدان ، أو تنزيله في عرضه. فلا يكاد يكون دليل الأمارة أو الاستصحاب دليلا على تنزيل جزء الموضوع ما لم يكن هناك دليل على تنزيل جزئه الآخر فيما لم يكن محرزا حقيقة ؛ وفيما لم يكن دليل على تنزيلهما بالمطابقة كما في ما نحن فيه ـ على ما عرفت (١) ـ لم يكن دليل الأمارة دليلا عليه أصلا ، فإنّ دلالته على تنزيل المؤدّى تتوقّف على دلالته على تنزيل القطع بالملازمة ، ولا دلالة له كذلك ، إلّا بعد دلالته على تنزيل المؤدّى. فإنّ الملازمة إنّما تكون بين تنزيل القطع به (٢) منزلة القطع بالموضوع الحقيقيّ وتنزيل المؤدّى منزلة الواقع (٣) ، كما لا يخفى ، فتأمّل جيّدا ، فإنّه لا يخلو عن دقّة (٤).
__________________
(١) من لزوم اجتماع اللحاظين.
(٢) أي : القطع بالمؤدّى أو المستصحب.
(٣) وفي بعض النسخ بعد قوله : «إلّا بعد دلالته على تنزيل المؤدّى» هكذا : «فإنّ الملازمة إنّما يدّعى بين القطع بالموضوع التنزيليّ والقطع بالموضوع الحقيقيّ ، وبدون تحقّق الموضوع التنزيليّ التعبّدي أوّلا بدليل الأمارة لا قطع بالموضوع التنزيليّ كي يدّعى الملازمة بين تنزيل القطع به منزلة القطع بالموضوع الحقيقيّ وتنزيل المؤدّى منزلة الواقع». وفي بعض النسخ ضرب عليه خطّ المحو وصحّح بما في المتن. والمعنى واحد.
(٤) حاصل ما أفاده ـ في الردّ على التوجيه الّذي ذكره في الحاشية ـ : أنّه مستلزم للدور.
وتوضيحه : أنّ الموضوع إذا كان مركّبا من جزءين أو أجزاء لا يترتّب الحكم عليه إلّا بعد إحراز كلا الجزءين بالوجدان أو التعبّد. فلو دلّ دليل على ثبوت أحدهما دون الآخر لا يترتّب الحكم عليه. فإذا قامت بيّنة على وجوب التصدّق فيما إذا علم وجوب الصلاة يكون الموضوع ذا جزءين : (أحدهما) وجوب الصلاة. (ثانيهما) العلم به. فلا يترتّب الحكم بوجوب التصدّق إلّا إذ احرز الجزءان وجدانا أو تعبّدا. والمفروض أنّه لم يحرز الموضوع في المقام بالوجدان ، فلا بدّ من إحرازهما تعبّدا ، بأن يدلّ دليل على تنزيلهما منزلة ما يحرز بالوجدان.
فترتّب الحكم الشرعيّ ـ وهو وجوب التعبّدي ـ على الموضوع ـ وهو العلم بوجوب الصلاة ـ متوقّف على دلالة دليل على أنّ وجوب الصلاة ـ وهو مؤدّى الأمارة ـ منزّل منزلة الواقع وأنّ العلم به والأمارة عليه منزّل منزلة العلم بالواقع الحقيقيّ.
ولا دليل على التنزيلين كي يترتّب الحكم الشرعيّ على الموضوع المركّب ، حيث لا دليل في المقام إلّا دليل اعتبار الأمارة ، وقد ثبت أنّه لا يدلّ على التنزيلين ، للزوم اجتماع اللحاظين. ـ