الجهة الثالثة : [في كون الأمر حقيقة في الوجوب]
لا يبعد كون لفظ الأمر حقيقة في الوجوب (١) ، لانسباقه (٢) عنه عند إطلاقه (٣).
ويؤيّده قوله تعالى : ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ (٤) ؛ وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لو لا أن أشقّ على امّتي لأمرتهم بالسّواك» (٥) ؛ وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لبريرة ـ بعد قولها : «أتأمرني يا رسول الله؟» ـ : «لا ، أنا شافع (٦)» (٧) ... إلى غير ذلك ؛ وصحّة الاحتجاج (٨) على العبد ومؤاخذته بمجرّد مخالفة أمره ، وتوبيخه على مجرّد
__________________
(١) أي : الطلب الوجوبيّ.
(٢) كلمة «الانسباق» لا تساعد عليها اللغة. بل الصحيح «لسبقه».
(٣) لا يخفى : أنّ في منشأ هذا التبادر أقوال :
الأوّل : أنّ منشؤه وضع لفظ «الأمر» للطلب الوجوبيّ ، فالوجوب مأخوذ قيدا في الموضوع له لفظ الأمر. وهذا يظهر من كلام المصنّف رحمهالله في المقام.
الثاني : أنّ منشؤه أخذ الوجوب قيدا للمستعمل فيه ، وإن لم يكن قيدا للموضوع له. وهذا يظهر من هداية المسترشدين : ١٣٩.
الثالث : أنّ منشؤه ليس إلّا حكم العقل بوجوب طاعة الآمر. وهذا ما أفاده المحقّق النائينيّ ، وتبعه تلميذه المحقّق الخوئيّ ، فراجع فوائد الاصول ١ : ١٣٦ ـ ١٣٦ ، والمحاضرات ٢ : ١٤ ـ ١٥ و ١٣١.
(٤) النور / ٦٣.
وجه التأييد أنّه (تعالى) حذّر مخالف الأمر ، والتحذير يناسب الوجوب لا الندب.
(٥) وسائل الشيعة ١ : ٣٥٤ ، الباب ٣ من أبواب السواك ، الحديث ٣.
وجه التأييد أنّ المشقّة انّما تكون في الإلزام لا في الندب.
(٦) وإليك نصّ الرواية : «لا ، انّما أنا شفيع».
(٧) مستدرك الوسائل ١٥ : ٣٢ ، الباب ٣٦ من أبواب النكاح العبيد والإماء ، الحديث : ٣.
وجه التأييد أنّه لو لم يكن الأمر للوجوب ما معنى لاستفهام بريرة.
(٨) في قوله : «وصحّة الاحتجاج ...» وجهان :
الأوّل : أن يكون معطوفا على قوله تعالى : ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ ...﴾ ، فيكون مؤيّدا.
الثاني : أن يكون معطوفا على قوله : «لانسباقه». وعليه يكون دليلا.
والأظهر هو الأوّل ، حيث يرد عليه ما يرد على سابقه من أنّ غاية ما يستفاد من هذه الامور هو استعمال الأمر في الوجوب ، وهو أعمّ من الوضع ؛ مضافا إلى أنّ دلالة بعضها ـ