ثمّ لو تنزّلنا عن ذلك (١) فلا وجه للتفصيل بالجواز على نحو الحقيقة في التثنية والجمع وعلى نحو المجاز في المفرد ـ مستدلّا على كونه بنحو الحقيقة فيهما لكونها (٢) بمنزلة تكرار اللفظ (٣) ، وبنحو المجاز فيه لكونه (٤) موضوعا للمعنى بقيد الوحدة ، فإذا استعمل في الأكثر لزم إلغاء قيد الوحدة فيكون مستعملا في جزء المعنى بعلاقة الكلّ والجزء ، فيكون مجازا (٥).
وذلك لوضوح أنّ الألفاظ لا تكون موضوعة إلّا لنفس المعاني بلا ملاحظة قيد الوحدة ، وإلّا لما جاز الاستعمال في الأكثر ، لأنّ الأكثر ليس جزء المقيّد بالوحدة ، بل يباينه مباينة الشيء بشرط شيء والشيء بشرط لا (٦) ، كما لا يخفى.
والتثنية والجمع وإن كانا بمنزلة التكرار في اللفظ ، إلّا أنّ الظاهر أنّ اللفظ فيهما كأنّه كرّر واريد من كلّ لفظ فرد من أفراد معناه (٧) ، لا أنّه اريد منه معنى من معانيه (٨). فإذا قيل مثلا : «جئني بعينين» اريد فردان من العين الجارية ، لا العين الجارية والعين الباكية.
__________________
(١) أي : عن عدم جوازه عقلا.
(٢) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «بكونهما» ، فإنّه متعلّق بقوله : «مستدلّا» ، والضمير يرجع إلى التثنية والجمع.
(٣) فكما يصحّ أن يذكر لفظ «عين» ويراد به معنى معيّن ، وأن يذكر ثانيا ويراد به معنى آخر ، كذلك يصحّ أن يذكر لفظ «عينين» ويراد به معنيين ، لأنّه في قوّة قولنا : «عين وعين». وكذا في الجمع.
(٤) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «بكونه» أي : مستدلّا على كون الجواز بنحو المجاز في المفرد بكون المفرد ...
(٥) انتهى كلام صاحب المعالم. فراجع معالم الدين : ٣٩.
(٦) لأنّ الموضوع له هو المعنى بشرط أن لا يكون معه غيره ، والمستعمل فيه هو المعنى بشرط أن يكون معه غيره.
(٧) فيراد من التثنية فردان من طبيعة واحدة ، فإذا قيل : «جئني بعينين» اريد منه فردان من طبيعة العين الجارية ـ مثلا ـ ، لا فرد من الجارية وفرد من الباكية.
(٨) أي : لا يراد من التثنية معنيان ، فلا يراد من قولنا : «جئني بعينين» العين الجارية والعين الباكية.