أظهرها عدم جواز الاستعمال في الأكثر عقلا. وبيانه : أنّ حقيقة الاستعمال ليس مجرّد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنى ، بل جعله وجها وعنوانا له ، بل بوجه نفسه كأنّه الملقى (١) ، ولذا يسري إليه قبحه أو حسنه (٢) ، كما لا يخفى. ولا يكاد يمكن جعل اللفظ كذلك (٣) إلّا لمعنى واحد ، ضرورة أنّ لحاظه (٤) هكذا في إرادة معنى ينافي لحاظه كذلك في إرادة الآخر ، حيث إنّ لحاظه كذلك لا يكاد يكون إلّا بتبع لحاظ المعنى فانيا فيه فناء الوجه في ذي الوجه والعنوان في المعنون ، ومعه كيف يمكن إرادة معنى آخر معه (٥) كذلك في استعمال واحد؟ مع استلزامه (٦)
__________________
ـ ثمرة النزاع :
لا يخفى : أنّ هذه المسألة من المسائل المهمّة الّتي لها آثار عمليّة في الفقه. ومن مظاهر ثمرة البحث عن هذه المسألة قوله تعالى : ﴿وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ النساء / ٢٣ ، فإنّ في كلمة «من» وجوه :
الأوّل : أن تكون متعلّقة ب «نسائكم» في قوله تعالى : ﴿وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ﴾. وعليه يكون معناها : وامّهات نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ حرام عليكم. فلا تدلّ الآية على تقيّد حرمة الربائب بالدخول في النساء.
الثاني : أن تكون متعلّقة بقوله تعالى : ﴿رَبائِبُكُمُ﴾ ، وعليه يكون معناها : ربائبكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ حرام. فالآية انّما تدلّ على تقيّد حرمة الربائب بالدخول في النساء ، وأمّا امّهات النساء مطلقة.
الثالث : أن تكون متعلّقة بهما معا ، فكانت كلمة «من» مستعملة في معنيين.
فإذا بني على جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى أمكن البناء على تعلّقها بهما معا ، وتثبت حينئذ أنّ حرمة امّهات النساء وربائب النساء مقيّدة بالدخول في النساء. وإذا بني على امتناع استعمال اللفظ في أكثر من معنى لا يمكن البناء على تعلّقها بهما ، بل لا بدّ من حملها إمّا على الوجه الأوّل وإمّا على الوجه الثاني.
(١) أي : بل كان اللفظ بوجه نفس المعنى بحيث إذا ألقاه المتكلّم كأنّه ألقى نفس المعنى ، فاللفظ مرآة للمعنى وفان فيه فناء الوجه في ذي الوجه.
(٢) أي : ولمّا كان اللفظ وجه المعنى فيسري إلى اللفظ قبح المعنى أو حسنه.
(٣) أي : وجها وعنوانا للمعنى.
(٤) أي : لحاظ اللفظ.
(٥) أي : مع المعنى الأوّل.
(٦) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «استلزامها» ، فإنّ الضمير يرجع إلى «إرادة».