علاقة بين الصّلاة شرعا (١) والصّلاة بمعنى الدعاء؟ ومجرّد اشتمال الصّلاة على الدعاء لا يوجب ثبوت ما يعتبر من علاقة الجزء والكلّ بينهما ، كما لا يخفى (٢).
هذا كلّه بناء على كون معانيها مستحدثة في شرعنا.
وأمّا بناء على كونها ثابتة في الشرائع السابقة ـ كما هو قضيّة غير واحد من الآيات ، مثل قوله تعالى : ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ (٣) ، وقوله تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ (٤) ، وقوله تعالى : ﴿وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا﴾(٥) ... إلى غير ذلك ـ فألفاظها حقائق لغويّة (٦) لا شرعيّة (٧). واختلاف الشرائع فيها جزءا وشرطا لا يوجب اختلافها في الحقيقة والماهيّة ، إذ لعلّه كان من قبيل الاختلاف في المصاديق والمحقّقات ، كاختلافها بحسب الحالات في شرعنا ، كما لا يخفى.
ثمّ لا يذهب عليك أنّه مع هذا الاحتمال (٨) لا مجال لدعوى الوثوق ، فضلا عن القطع بكونها حقائق شرعيّة ، ولا لتوهّم دلالة الوجوه الّتي ذكروها على ثبوتها لو سلّم دلالتها على الثبوت لولاه (٩).
__________________
(١) وهي الحركات المخصوصة.
(٢) وذلك لأنّ شرط العلاقة المصحّحة ـ في علاقة الكلّ والجزء ـ هو كون الجزء ممّا ينتفي الكلّ بانتفائه ، وليس الدعاء في الصلاة كذلك.
(٣) البقرة / ١٨٣.
(٤) الحجّ / ٢٧.
(٥) مريم / ٣١.
(٦) إذ استعملها الشارع في معانيها المعهودة الثابتة في اللغة.
(٧) أورد عليه تلميذه المحقّق الاصفهانيّ بما حاصله : أنّ ثبوت هذه المعاني في الشرائع السابقة لا يضرّ بثبوت الحقيقة الشرعيّة في شرعنا ، لأنّ معنى الحقيقة الشرعيّة ليس جعل المعنى ، بل هي جعل اللفظ بإزاء المعنى المستحدث وتسميته بذلك ، وأمّا مجرّد ثبوتها هنا لا يلازم التسمية بهذه الألفاظ الخاصّة ، بل ـ لو فرض ثبوتها هناك ـ يعبّر عنها بألفاظ سريانيّة أو عبرانيّة. نهاية الدراية ١ : ٥٥.
(٨) أي : احتمال ثبوتها في الشرائع السابقة وكون ألفاظها حقائق لغويّة. وهذا الاحتمال منسوب إلى الباقلانيّ كما في شرح العضديّ ١ : ٥١ ـ ٥٢.
(٩) أي : لو سلّم دلالة تلك الوجوه على ثبوت الحقيقة الشرعيّة لو لا هذا الاحتمال.