نعم ، لو كان الشرط هو نفس تحقّق النبأ ومجيء الفاسق به (١) ، كانت القضيّة الشرطيّة مسوقة لبيان تحقّق الموضوع (٢).
مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ القضيّة ولو كانت مسوقة لذلك (٣) ، إلّا أنّها ظاهرة في انحصار موضوع وجوب التبيّن في النبأ الّذي جاء به الفاسق ، فيقتضي انتفاء وجوب التبيّن عند انتفائه ووجود موضوع آخر (٤) ، فتدبّر.
__________________
ـ الثاني فإن كان كلا الجزءين ممّا يتوقّف عليه الجزاء عقلا فلا مفهوم للقضيّة الشرطيّة أصلا ، كقولك : «إن رزقك الله مولودا وكان ذكرا فاختنه» ؛ وإن كان كلاهما ممّا لا يتوقّف عليه الجزاء عقلا فالقضيّة تدلّ على المفهوم بالنسبة إلى كليهما ـ أي تدلّ القضيّة على انتفاء الجزاء عند انتفاء كلّ واحد منهما ولو مع تحقّق الآخر ـ ؛ وإن كان أحدهما ممّا يتوقّف عليه الجزاء عقلا ومحقّقا للموضوع دون الآخر ، كقولك : «إن ركب الأمير وكان ركوبه يوم الجمعة فخذ ركابه» ، فتدلّ القضيّة على المفهوم بالنسبة إلى الجزء الّذي لا يتوقّف عليه الجزاء عقلا ـ وهو في المثال يوم الجمعة ـ دون الآخر ـ وهو ركوب الأمير ـ.
إذا عرفت هذا ، فاعلم : أنّ الشرط في الآية الشريفة مركّب من جزءين : النبأ ومجيء الفاسق به ، ويكون أحدهما ـ وهو النبأ ـ محقّقا لموضوع الحكم في الجزاء لتوقّفه عليه عقلا ، فلا مفهوم للقضيّة بالنسبة إليه ، ولا يكون الجزء الآخر ـ أي مجيء الفاسق به ـ محقّقا لموضوع الحكم في الجزاء ، لعدم توقّف الجزاء عليه عقلا ، فتدلّ القضيّة على المفهوم بالنسبة إليه ، ومفاده انتفاء وجوب التبيّن عند انتفاء كون الآتي به فاسقا ، فلا يجب التبيّن في النبأ الّذي جاء به العادل. راجع نهاية الأفكار ٣ : ١١١ ـ ١١٣ ، ومصباح الاصول ٢ : ١٥٧ ـ ١٥٨.
ولا يخفى : أنّ ما ذكراه يستلزم استعمال الأداة في معنيين ، وهو من استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، وهو محال.
(١) بحيث يكون المجيء به دخيلا في الموضوع أيضا ، فيكون الموضوع لوجوب التبيّن مؤلّفا من النبأ ومجيء الفاسق به.
(٢) وذلك لأنّ المفروض أنّ الشرط مركّب من جزءين : (أحدهما) نفس تحقّق النبأ. و (ثانيهما) مجيء الفاسق به. فإذا انتفى أحد جزأي الموضوع ـ وهو مجيء الفاسق به ـ ينتفي الموضوع رأسا ، فلا تكون القضيّة ذات مفهوم ، لأنّها حينئذ من باب السالبة بانتفاء الموضوع.
(٣) أي : مسوقة لتحقّق الموضوع.
(٤) وهو نبأ العادل.
وقال المحقّق الاصفهانيّ : «توضيحه : أنّ أداة الشرط ظاهرة في انحصار ما يقع تلوا لها ـ