إن قلت : كيف يمكن ذلك؟ وهل هو إلّا أنّه يكون مستلزما لاجتماع المثلين أو الضدّين؟
قلت : لا بأس باجتماع الحكم الواقعيّ الفعليّ بذاك المعنى ـ أي لو قطع به من باب الاتّفاق لتنجّز ـ مع حكم آخر فعليّ في مورده ، بمقتضى الأصل أو الأمارة ، أو دليل أخذ في موضوعه الظنّ بالحكم بالخصوص ، على ما سيأتي من التحقيق في التوفيق بين الحكم الظاهريّ والواقعيّ (١).
الأمر الخامس
[الموافقة الالتزاميّة]
هل تنجّز التكليف بالقطع كما يقتضي موافقته عملا ، يقتضي موافقته التزاما ، والتسليم له اعتقادا وانقيادا ، كما هو اللازم في الاصول الدينيّة والامور الاعتقاديّة ، بحيث كان له امتثالان وطاعتان : (إحداهما) بحسب القلب والجنان ، (والأخرى) بحسب العمل بالأركان ، فيستحقّ العقوبة على عدم الموافقة التزاما ولو مع الموافقة عملا ، أو لا يقتضي ، فلا يستحقّ العقوبة عليه ، بل إنّما يستحقّها على المخالفة العمليّة؟
الحقّ هو الثاني ، لشهادة الوجدان الحاكم في باب الإطاعة والعصيان بذلك (٢) ، واستقلال العقل بعدم استحقاق العبد الممتثل لأمر سيّده إلّا المثوبة دون العقوبة ، ولو لم يكن متسلّما وملتزما به ومعتقدا ومنقادا له ، وإن كان ذلك يوجب تنقيصه وانحطاط درجته لدى سيّده ، لعدم اتّصافه بما يليق أن يتّصف العبد به من الاعتقاد بأحكام مولاه والانقياد لها ؛ وهذا غير استحقاق العقوبة على مخالفته لأمره أو نهيه التزاما مع موافقته عملا ، كما لا يخفى.
__________________
(١) يأتي في مبحث حجّيّة الأمارات : ٢٨٥ ـ ٢٨٧ من هذا الجزء.
(٢) أي : بعدم الاقتضاء.